دولية

احتجاجات العراق تصفع الملالي .. وترامب: إيران تنهار

عواصم ــ AFP

وجهت الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ أكثر من أسبوع في معظم المحافظات الجنوبية في العراق “صفعة جديدة” للنظام الإيراني، الذي بات يتجرع سما حاول دسه للحكومة العراقية.

ومسار الاحتجاجات أكد انقلاب “السحر الإيراني” على نفسه، وهو الذي عمد إلى قطع خطوط الكهرباء عن المحافظات الجنوبية، وزيادة “المد الملحي” القادم من أراضيه في مياه شط العرب.

وسعى النظام الإيراني من وراء ذلك إلى دفع سكان الجنوب العراقي إلى الاحتجاج على حكومة العبادي، للضغط باتجاه تشكيل تحالف حكومي طائفي يصب لصالحها، بعد النتائج المخيبة لحلفائها بالانتخابات.
ولم تعلم إيران أنها أججت، عوضا عن ذلك، الوعي الوطني لدى متظاهري جنوب العراق، الذين تيقنوا أن النظام في طهران لا ينظر إليهم على أنهم حلفاء أو مقربون تحت يافطة الانتماء المذهبي.

وإنما يعتبر أرواحهم ومعاناتهم مجرد ورقة ضغط تستخدمها أو تحركها خدمة فقط لمصالحها، وإبقاء نفوذها في العراق عن طريق شخصيات وأحزاب فاسدة موالية للنظام الإيراني.

وهذه الحقيقة أدركها البصريون بشكل خاص والعراقيون بشكل عام منذ زمن، لكنهم كانوا بانتظار الدليل القاطع، والذي تمثل بإبلاغ طهران، في أوج أزمة معاناة سكان الجنوب العراقي، وفد الحكومة العراقية رفض إعادة تشغيل خطوط الطاقة المستوردة ولو بشكل مؤقت.

ليترجم سكان الوسط والجنوب دليل معرفتهم بنوايا طهران الخبيثة تجاههم إلى مهاجمة مصالح طهران في مختلف المحافظات، عن طريق حرق وضرب مقرات الأحزاب الموالية لها، لا سيما ميليشيات حزب الله وعصائب أهل الحق في النجف ومليشيات بدر والفضيلة في البصرة وميسان وذي قار والمثنى والديوانية.

بل أن الفعلة الإيرانية جاءت لتقوي حكومة العبادي بعد أن أصابها الوهن، ودفعتها للبحث عن بدائل لإنتاج الكهرباء وإقامة مشاريع تنموية عبر إطلاق التخصيصات المالية المطلوبة لذلك.

وأسقطت تظاهرات الجنوب أيضا حاجز الخوف لدى المواطن البسيط من التعرض لميليشيات طهران في العراق، فبعد أن كان المواطن الجنوبي أسير أفعال هذه الجماعات بات هو من يبحث عنها ليقتص منها.

وباتت مقار وحمايات هذه الأحزاب تبحث عن ملاذ آمن، وتستنجد بالقوات الحكومية لحمايتها وحماية مقارها، بعد أن أصبحت المتهم الأول في جريمة قتل المتظاهرين، الذين كتبوا فصلا جديدا من الانتفاضة العراقية على إيران.
في غضون ذلك كشفت إحصائيات جديدة أصدرها البنك الدولي أن إيران شهدت تراجعا اقتصاديا “مؤلما” خلال العقود الأربعة الماضية منذ انتصار الثورة في 1979.

وأشارت الأرقام الصادرة عن البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الإيراني تراجع 10 مراكز خلال الـ40 سنة الماضية ليحتل المرتبة 27 على مستوى العالم.

وتسبب هذا التراجع الاقتصادي في انخفاض مستويات المعيشة للإيرانيين، حيث تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران الذي بلغ خلال العام الماضي 439 مليار دولار.
واستنادا إلى القوة الشرائية للعملة الإيرانية بين عامي 1976 و2017، فإن المواطن الإيراني العادي أصبح أكثر فقرا بنسبة 32 بالمئة.

وتتفق تقديرات البنك الدولي جزئيا مع الأرقام التي توصل إليها اقتصاديون إيرانيون.
وشهدت العديد من المدن الإيرانية احتجاجات منذ نهاية العام الماضي، بعد أن تراجع الاقتصاد الإيراني بشكل كبير متسببا في خسارة العملة المحلية نصف قيمتها أمام الدولار خلال ستة أشهر.

بدروه اعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تأييده المظاهرات التي تشهدها المدن الإيرانية ضد الملالي، وقال: إن “هذا النظام لا يريد أن يعرف الناس إننا نقف وراءهم تماما”.

وأكد ترامب، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، أن إيران “تشهد أعمال شغب منذ أن انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الموقع بين طهران والدول العظمى”، مشددا على أن الولايات المتحدة تدعم المتظاهرين، وان ايران سوف تنهار

وتابع الرئيس الأمريكي، الذي كان يتحدث بعد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي: “لديهم تظاهرات في أنحاء البلاد.. وقد حدثت معارك منذ أن أنهيتُ هذا الاتفاق النووي.. لذلك سنرى”.
وفي يونيو الماضي، أكّد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو دعمه للإيرانيين الذين يتظاهرون ضد نظام الملالي، الذي اتهمه بـ”الفساد والظلم وعدم الكفاءة”

ويواجه النظام الإيراني، اضطرابات شعبية متنامية؛ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، منذ أن انسحب ترامب في مايو من الاتفاق النووي، وأعلن تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران.
وفى السياق هاجم ناشط سياسي إيراني سياسات نظام الملالي، معتبرا أن ولاية الفقيه التي تخول سلطات واسعة لمرشد إيران علي خامنئي، بمثابة المعضلة الرئيسية التي تواجه إيران حاليا، دون حلول لها حتى على مستوى التيار الإصلاحي.

وأشار علي أفشاري، المعارض للنظام الإيراني في سياق مقال له نشر عبر النسخة الفارسية لشبكة “دويتشه فيله” الألمانية، إلى أن إيران تعيش واحدة من أكثر المراحل التاريخية المعاصرة تأزما، وسط تفاقم المشكلات والأزمات داخليا وخارجيا، دون وجود أفق للحل في القريب المنظور، الأمر الذي أدى لزيادة المخاوف حول المصير المنتظر.

ووصف “أفشاري” نظام ولاية الفقيه الذي يمنح السلطة المطلقة للمرشد الإيراني بـ”أزمة الأزمات”؛ لأنه يعرقل لحاق إيران بركب الازدهار والتنمية، ويخل بفرص العدالة الاجتماعية، والمشاركة السياسية على نحو منظم.
وعد المعارض الإيراني أن نظرية “ولاية الفقيه” التي وضع أساسها المرشد الإيراني الأول روح الله الخميني بعد استحواذه على حكم البلاد عام 1979، هي ظاهرة سياسية تتجاوز شخص رجل الدين القابض على زمام السلطة، لتشمل استغلال سلطات القضاء، والأجهزة الأمنية للقمع، والتغول على الدستور، وإهدار الثروات والموارد الطبيعية، إلى جانب حشد مجاميع طائفية ومليشياوية مثل الباسيج.

وأشار أفشاري في سياق مقاله إلى أن هيمنة المرشد الإيراني على مؤسسات عدة في البلاد ضمن سلطاته الواسعة، خلقت طبقات اجتماعية مصالحها مرتبطة ببقاء هذا النظام، وتدافع عن ولاية الفقيه باعتبارها أساس استمرار نظام الملالي، لافتا أن تلك المؤسسات الخاضعة لسلطة خامنئي المباشرة توسعت بشدة مقارنة بعقود ماضية.

ولفت أن طبيعة تلك المؤسسات تشمل جوانب متعددة من بينها الثقافي، والاقتصادي، والديني، والتعليمي، والخيري وغيرها، وتنشط عناصرها داخليا بشكل واسع للتحكم في الحياة العامة والخاصة، مشيرا إلى أن مرشد إيران الحالي انتهج التوسع في تأسيس كيانات موازية أو ما تٌعرف في إيران بـ”مؤسسات الظل”، دون سند قانوني لها، كما أنها لا تخضع لسلطة الحكومة الرسمية.

وتضم أغلب تلك الكيانات غير الرسمية التي تخضع لسلطة وأوامر خامنئي المباشرة مثل “مؤسسة المستضعفين”، و”الهيئة التنفيذية لأوامر الإمام”، و”مؤسسة التقريب بين المذاهب”، في هياكلها الكلية والجزئية أغلب الدوائر قريبة الصلة من المرشد الإيراني.

ونعت “أفشاري” النظام الإيراني بـ”المحتكر الكبير” وغير المسبوق في تاريخ البلاد والمنطقة، والذي بات يستحوذ على سلطات أخطبوطية للهيمنة على مقدرات الإيرانيين لصالح المنتفعين والمقربين له، قبل أن يهاجم السلطات الرسمية مثل البرلمان، والقوة التنفيذية باعتبارهم مجرد أدوات لخدمة مصالح الملالي ونظام ولاية الفقيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *