تقرير- محمود العوضي
تدخل الرياضة السعودية، وهي تستقبل اليوم الوطني المجيد، عاماً جديداً من عمرها الممتد لنحو 72 عاماً، منذ ولادة أول مؤسسة رياضة رسمية في البلاد، يوم أن أنشئت أول إدارة مسؤولة عن الحركة الرياضية في المملكة في العام 1365هـ ، الموافق 1945م، وكانت تابعة لوزارة الداخلية، فبعد بدايات اجتهادية لعدد من المهتمين بكرة القدم في البلاد، بدأ دخول الرياضة نطاق الاهتمام الرسمي، بعد توحيد الوطن في سياق الاهتمام بالشباب، والأنشطة الرياضة؛ كجزء من الاهتمام العام بكل القطاعات، التي تشكل منظومة الدولة الحديثة.
أكثر من 70 عاماً، شهدت تحولات كبرى عاشتها الحركة الرياضة في البلاد؛ سواء على مستوى التحول الإداري المؤسساتي، أو على مستوى النقلة النوعية في الجهات ذات العلاقة بها؛ من بنى تحتية، أو منجزات بشرية، أو حضور مؤثر في المشهدين الإقليمي والدولي كرقم صعب من أرقام التأثير، فمع التطور في مؤسسة الرياضة تنامى الاهتمام بالقطاع الرياضي، وبالفعاليات الشبابية في صورها كافة، ففي عام 1380هـ – 1960م أُسندت مهام رعاية الشباب إلى وزارة المعارف، وتم إسناد مهام رعاية الشباب في القطاع الأهلي إلى إدارة رعاية الشباب، بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تحت اسم إدارة رعاية الشباب، ثم أصبحت إدارة عامة عام 1382هـ -1962م، وفي عام 1394هـ -1974م صدر قرار مجلس الوزراء، الذي بموجبه أصبحت رعاية الشباب جهازاً مستقلاً، باسم الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وترتبط بالرئاسة العامة، اللجنة الدولية العربية السعودية، والتي تأسست عام 1384هـ – 1964م، واعترفت بها اللجنة الأولمبية الدولية عام 1385هـ – 1965م.
اللجنة الأولمبية ترسم خارطة طريق للإنجازات عبر برنامج (ذهب 2022)
شجع الاهتمام الرسمي المتصاعد بالرياضة على توسيع دوائر الاهتمام بها؛ حكومياً وشعبياً، فبعد أن كانت كرة القدم صاحبة النصيب الأوفر من الاهتمام الرياضي، قفزت الرياضة السعودية قفزات متقدمة ليشمل الاهتمام بالألعاب كافة، لا سيما مع ازدياد عملية تأسيس الأندية، التي أصبحت تربض في كثير من المدن والقرى، وأتبعها تأسيس الاتحاد الرياضية، التي تعنى بالألعاب الأخرى غير كرة القدم، فمع أول خطة خمسية للرئاسة العامة لرعاية الشباب، وصل عدد الأندية الرياضية المعترف بها إلى 54 نادياً، وتم تشكيل عشرة اتحادات رياضية، وثلاث مدن رياضية في الرياض وجدة والدمام، لتنفرط سبحة الاهتمام بعد ذلك خطة بعد أخرى إلى أن وصلنا اليوم إلى مرحلة بلغ فيها عدد الأندية السعودية رسمياً إلى 170 نادياً.
وتجري الهيئة العامة للرياضة حالياً، دراسة تقوم على دراسة عدد الأندية، وسبل تطويرها، ومعالجة واقعها الإداري، والفني؛ بحيث تكون رافداً مهماً من روافد تطوير الرياضة، وليس مجرد رقم عابر فيها.
إنجازات تعانق السحاب
ولأن لا قيمة للبنية التحية، ما لم تنعكس على المواطن كمحور لأي تطور، وهو ما كان محل تطلع القيادات الرياضية المتعاقبة، فقد أولت عملية تأهيل الرياضي في سبيل تحقيق المنجز الوطني اهتماماً كبيراً، على مستوى الاتحادات والمنتخبات والأندية، فحققت الألعاب السعودية نتائج مبهرة في غير لعبة من الألعاب، لاسيما في كرة القدم وكرة اليد وألعاب القوى والفروسية، التي كان لها حضور عالمي متكرر ولافت؛ سواء في بطولات العالم، أو في الأولمبياد، إلى جانب رياضات أخرى، كان لها حضورها في المشهدين الإقليمي، والقاري.
في كرة القدم حققت المملكة إنجازات غير مسبوقة، ولعل أبرزها حصول المنتخب الأول على بطولة أمم آسيا ثلاث مرات بعد وصوله للمباراة النهائية ست مرات، كما تأهل المنتخب الأول لنهائيات كأس العالم أربع مرات متتالية خلال أعوام 1994م و1998م و2002م و2006م ثم تأهل مؤخرا إلى مونديال العالم لكرة القدم في روسيا2018، وتأهل المنتخب الأولمبي لدورة الألعاب الأولمبية مرتين، وحقق منتخب الشباب بطولة آسيا مرتين، وتأهل لكأس العالم، أما منتخب السعودية للناشئين، فقد حقق إنجازاً، هز به المعمورة يوم أن توّج بلقب بطولة العالم عام 1989م، ولم تقف الإنجازات عند ذلك فهذا منتخب ذوي الاحتياجات الخاصة يتوج بكأس العالم ثلاث مرات متتالية بقيادة المدرب الوطني الدكتور عبدالعزيز الخالد أعوام 2006م في ألمانيا، و2010م في جنوب أفريقيا و2014 في البرازيل في إنجاز غير مسبوق، يؤكد حرص المملكة على هذه الفئة الغالية.
ألعاب مميزة
وتعد كرة اليد مضرب مثلٌ في المنجز الوطني؛ إذ حققت المنتخبات والأندية عديد الإنجازات؛ أبرزها تأهل منتخب اليد الأول والشباب لنهائيات كأس العالم أكثر من مرة، آخرها كأس العالم للشباب في الجزائر العام الحالي، عدا الإنجازات الخليجية والعربية، والتي منها تحقيق المركز الثالث في دورة الألعاب الآسيوية بالصين عام 1990م، وبطولة العرب في القاهرة عام 1998، وكان للأندية السعودية نصيب مميز، من البطولات الخليجية والعربية والآسيوية؛ حيث حقق نادي مضر بطولة آسيا، وتأهل لبطولة العالم، كما حقق مع أندية الأهلي، والخليج، والنور بطولات عديدة خليجية، وعربية.
ونالت كرة السلة عدداً من البطولات الخليجية، وفاز المنتخب الأول بذهبية الألعاب العربية بالأردن، وسبق لأندية الهلال، وأحد، والاتحاد الفوز ببطولات خليجية وعربية، وفاز فريق الاتحاد ببطولة آسيا للأندية كأبرز إنجازات اللعبة خارجياً.
وفازت ألعاب القوى السعودية بنتائج قوية على صعيد اللاعبين السعوديين، في المحافل الدولية، بل كانت اللعبة منجم الإنجازات في البطولات الإقليمية والقارية والعالمية، وقدمت أبطالاً أصبح البعض منهم من صفوة الأبطال في القارة والعالم، وتعد فضية سباق 400 متر للبطل هادي صوعان في أولمبياد سيدني عام 2000 أول ميدالية أولمبية للمملكة في تاريخ الألعاب، وأقوى إنجاز على الإطلاق، والتي أعقبت برونزية بطولة العالم الخامسة لألعاب القوى في السويد عام 1995م في سباق 3000 موانع، والتي حققها سعد شداد من أقوى الإنجازات التاريخية.
وتعد الفروسية التي تحظى باهتمام خاص من الألعاب التي وضعت الرياضة السعودية في واجهة الإنجازات العالمية الكبرى، لا سيما بعد الميدالية الفضية في بطولة العالم بمدينة ليكسينتجون بولاية كنتاكي بالولايات المتحدة الأمريكية، التي حققها الفارس عبدالله الشربتلي عام 2010، والميدالية البرونزية على مستوى الفرق في أولمبياد لندن 2010، عدا عن جملة الإنجازات العالمية الأخرى في مسابقات الجمال، التي من أهمها كأس العالم بقيادة اسطبلات الخالدية، وعذبة، والمعود. ولا تقف الإنجازات عند هذه الألعاب، بل تتجاوزها إلى ألعاب أخرى فردية وجماعية على الصعد الإقليمية والقارية والعالمية كافة، وعلى كافة الدرجات السنية، وهي مرشحة للزيادة أكثر في ظل تنامي الاهتمام بالاتحادات الرياضية، والتي بدأت تتعاظم عبر خطط نوعية وميزانيات أخذت في التزايد واهتمام ومتابعة مباشرين من معالي تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الرياضة، في سبيل إحداث قفزات عملاقة، تليق بقيمة، ومكانة المملكة. استادات عملاقة وأندية مجهزة
وإيماناً من الدولة بأن لا رياضة بلا بنية تحتية قوية، ولا إنجازات دون منشآت متكاملة المواصفات، سعت في وقت مبكر للاهتمام بهذا الجانب؛ لا سيما مع بداية الطفرة الاقتصادية الأولى، التي شهدتها البلاد، خصوصاً في الحقبة التي تسلم فيها الأمير فيصل بن فهد زمام القيادة الرياضية، ففي البدايات الأولى لانتشار الألعاب الرياضية وتحديداً كرة القدم، لم يكن في المملكة عدا ثلاثة ملاعب رئيسية لإقامة مباريات كرة القدم، وهي ملعب الصبان بجدة، وملعب الصائغ بالرياض، وملعب يعقوب بالخبر، لتأتي الطفرة الاقتصادية لتتحول البلاد إلى شبكة من المنشآت الرياضة؛ إذ تم خلال ثلاثة عقود إنشاء أكثر من 70 منشأة، وبمواصفات عالية الجودة، وبمساحات كبيرة، وكانت البداية الفعلية في الفترة من بين عامي 1970 و 1973 بإنشاء ثلاثة ملاعب رئيسية، وهي ملعب الأمير فيصل بن فهد بالرياض، وملعب الأمير عبدالله الفيصل بجدة، وملعب الأمير محمد بن فهد بالدمام، لتتحول بعد ذلك البلاد إلى ورشة عمل رياضية، لبناء العديد من المنشآت، وكانت القفزة العملاقة ببناء استاد الملك فهد الدولي بالرياض في العام 1988م الذي تستوعب مدرجاته نحو 70 ألف متفرج، وكان يومها بحق درة الملاعب العالمية.
وإلى جانب ذلك تم تدشين العديد من المقرات للأندية في المدن والقرى بمواصفات عالمية مميزة؛ حيث تم تقسيم الأندية إلى ثلاث فئات ولا زالت الدولة تضطلع بهذه المسؤولية، وواكب ميزانية هذا العام اعتماد إنشاء 25 منشأة جديدة، وكذلك إنشاء مضامير للدراجات في الرياض، حيث حملت اعتماد إنشاء 16 مقراً لعدد من الأندية، كما سيتم إنشاء مقرات لأندية الصم ومقرات وصالات لذوي الاحتياجات الخاصة وبيت للشباب، وتوسعة بيوت الشباب القائمة حالياً في عدد من المناطق والمحافظات السعودية.
ويكفي تأكيداً على ما توليه الدولة في الجانب البنيوي للمنشآت الرياضية إنشاء مدينة الملك عبدالله الرياضية التي تحتضن استاد (الجوهرة المشعة) الذي يعد اليوم من أفضل الاستادات في منطقة الشرق الأوسط، والعالم أجمع؛ إذ تم تصميمه على أعلى المواصفات التقنية، وأحدث التصاميم الحديث، وهو الاستاد الذي تتجاوز سعته أكثر من 60 ألف مشجع. المدن والصالات الرياضية
إلى جانب الاستادات الرياضية، ومقرات الأندية، اهتمت الدولة ببناء المدن الرياضية المجهزة أولمبياً؛ حيث تتواجد حاليا 13 مدينة رياضية، تنتشر على امتداد البلاد، ولم يقف الوعي بقيمة الرياضة بكل تجلياتها على الملاعب. بل امتد إلى إنشاء مدينتين ساحليتين ترفيهيتين في جدة، والخبر، أطلق عليهما مدينتا الملك فهد الساحليتين، كما أنشئت ساحات شعبية تتألف من ملاعب خارجية رياضية لكرة القدم والطائرة واليد والسلة وكرة المضرب، بالإضافة إلى الصالات المغطاة حيث تملك المملكة ثلاث صالات رئيسة في الرياض وجدة والدمام، تعد من أروع الصالات من ناحية البناء والتصميم والجودة.
وتجاوز الاهتمام بالرياضة شكلها الخارجي القائم على الملاعب والمقرات إلى التعاطي معها كقيمة تنموية، بما تعني من كل أبعادها، فكان أن بنيت مقرات تنسجم مع هذا المفهوم الحضاري؛ كمركز الملك فهد الثقافي، الذي أصبح محور النشاطات الثقافية والرياضية، لا سيما على مستوى الاستضافات الكبرى للمناسبات، والندوات واللقاءات ؛إذ جهّز بمدرج كبير ومسرح ومكتبة وقاعة للمحاضرات وبمطعم مجهز.
ولأن صناعة القيادات والاهتمام بالكوادر العاملة جزء من بناء المواطن الرياضي، فقد أنشئ معهد إعداد القادة، المهتم بإعداد الكوادر الوطنية، في مجال الشباب والرياضة؛ كمعهد أكاديمي للاهتمام بالمدربين الرياضيين، والحكام في مختلف الألعاب، وإعداد القيادات السعودية، الإدارية، والفنية.