متابعات

 أنا لاأكذب ولكنني أتجمل

جدة – مهند قحطان

الحاجة أم الاختراع – لكن أي اختراع هذا ؟ إنه السؤال المطروح بقوة على أرصفة الطرقات خاصة في الأحياء الشعبية والحارات الضيقة بمدينة جدة .. ترتفع أسعار الماركات الأصلية فتفرخ الأزمة أشباهها من السلع المقلدة .. باعة الرصيف أو لنقل الأسواق الجوالة حيث مئات البسطات تفترش الأرصفة وسلع من كل نوع ومن كل حدب وصوب – من حذاء للقدم إلى أحمر الشفاه .. الإغراء الوحيد للزبون هو السعر – الطعم الذي يصطاد به الباعة زبائنهم .. ومن مدينة جدة وربما على مقربة من أحياء راقية ننقل لكم صورة حية تحكى ألوانها بعضا من قصة الغش التجاري المدفوع بالبحث عن مصدر رزق عز على البعض فلم يجدوا إلا رصيفا يفترشون عليه بضاعتهم المقلدة في غفلة من المراقبة أو المساءلة أو حتى التنظيم .

بداية نقول إن وزارة التجارة لم تقف مكتوفة الأيدى أمام ظاهرة انتشار اسواق السلع المقلدة ولكن هل يكفي تحذير من يتاجرون بها وتوعية من يقبلون عليها؟ .. بالتأكيد الأمر يحتاج لما هو أكثر من ذلك لأن ضبط الأسواق لا يتحقق بحسن النوايا وروشتات النصيحة ولن يتحقق حتى بالتشهير بمن يتاجرون بها – وأمام كل شركة أو تاجر سيتوقف سيدخل عشره حلقة المغامرة والمخالفة من أجل كسب سريع ومريح أحيانا.

سامى .. هوس الماركات
كيف ومتى بدأت الظاهرة؟
يقول سامي الحربي – شاب سعودي – الماركات أصبحت هوسا حقيقيا واسعارها المرتفعة دفع غير القادرين للتعلق بالسلعة رغم ثقتهم بأنها مقلدة ورديئة – ويضيف الحربى أن المستهلك هو الصانع الحقيقي لهذا السوق لأن السلع لاتبيع نفسها والمشكلة في عدم الوعى باضرار ومخاطر السلع المقلدة – ماديا فهي سلع غير عملية وقصيرة العمر وصحيا فهي شديدة الضرر على المستهلك سواء كانت ملابس أو مواد تجميل أو أحذية.

ويستدرك ” الحربي ” حديثه بعد توقف قصير قائلا .. أريد التأكيد على حقيقة أن الشباب تحديدا والنساء عامة هم الجمهور الأكبر لأسواق السلع المقلدة تشبثا بماركة ما لتأكيد وجاهة شخصية وأحيانا مكانة اجتماعية خاصة اذا كانت السلعة ترى عند استخدامها كالنظارات الشمسية مثلا وكذلك الملابس ..

الغش الوافد والمحلى ..
ويختتم الشاب سامي الحربي حديثه لـ “البلاد” بالتركيز على بعد مهم بالمشكلة وهو أن السلع المقلدة ولسنوات طويلة كانت تأتينا من الخارج من خلال الاستيراد ولكن مع ارتفاع اسعار الأصلي وزيادة الاقبال على المقلد وضخامة الأرباح التي تحققها هذه التجارة بدأ بعض متوسطى الأعمال ينتجون بعض هذه السلع المقلدة محليا ويضعون عليها علامة الماركات الأصلية ويجنون من ورائها أرباحا طائلة حولت هذه الصناعة والتجارة من مغامرة عابرة إلى نشاط مستقر بدأ ياخذ حصته بالسوق ويهدد النشاط الذي يستمد شرعيته من جودة السلعه وأصالتها .. وهنا يختتم سامى الحربي حديثه بسؤال .. ألم يحن الوقت لتبني سياسات جاده تجاه ظاهرة السلع المقلده من قبل وزارة التجارة أم سيترك الأمر مستفحلا إلى حد أن يكون الأصل في أسواقنا هو التقليد ؟.

أحمد العلي .. ضبطوني 3 مرات
اقتربت منه .. شاب سعودي ثلاثيني بدا مترددا في التحدث إلي وبعد وقت قصير استرسل في قصته مع تجارة المقلد .. أنا هنا بسوق الصواريخ منذ ستة أشهر وهذه بسطتى لأنى لا أقدر على استئجار محل خاص .. قبل أن آتى إلى هنا كنت افترش في أماكن كثيرة وكان حملات البلدية تلاحقنا وتم ضبطى ثلاث مرات ..

وفجأة يبتسم أحمد وكأنه تذكر شيئا ما .. ثم يكمل .. في كل مرة كان يتم ضبطي بسهولة أما أصدقائي من الوافدين الذين يمارسون نفس النشاط فلم يكن من السهل ضبطهم .. كانوا يهربون بمجرد الشعور باقتراب حملة البلدية والاستدلال عليهم بعد ذلك صعب – أما انا كمواطن لي محل اقامة ثابت فالوصول إلى سهل وممكن حتى لو تمكنت من حمل بسطتي والرحيل مسرعا قبل وصول حملة البلدية.

الحلول ممكنة
وعندما سألت البائع السعودي الشاب أحمد العلى – هل من حل ؟ قال .. الحلول ممكنة جدا – مشكلتي وكثيرون مثلي من الشباب عدم وجود فرصة عمل بمقابل مجزٍ وهذا يضطر البعض مثلي تحت وطأة الحاجة الملحة وسعيا على رزق أولادى إلى التجارة ولكن أي مشروع صغير يحتاج لمكان – وأعتقد أنه بإمكان الجهات المسئولة إقامة أسواق مجمعة بها محلات صغيرة ويمكن أن يحصل الشاب على محل بعقد يلزمه بسداد ثمنه على أجل ممتد لخمس سنوات أو عشر سنوات مثلا .. لما لا .. ويضيف العلي ..

فائدة الاسواق المجمعه أنها ستقضي على ظاهرة الأسواق العشوائية والطفيلية التي تفترش الشوارع ، وستسهل على جهات الرقابة والمتابعة بوزارات مثل التجارة والصحه والداخلية مهمة ضبط الأسواق وتنظيمها وتسجيل العاملين بها وحماية المستهلك بالاضافة إلى أن مثل هذه الأسواق ستضيف عمالة جديده لسوق العمل وستجعل أي نشاط تجاري مهما كان صغيرا جزءا من اقتصاد الدوله ومداخيلها ..

المري .. سلع تجمل وتدمر
للشاب علي المري نظرة تختلط فيها السخرية بالعمق فيما يتعلق بالانتشار العنقودي للسلع المقلدة .. يقول إنه من المفارقات المضحكة أن نصف السلع المقلدة على الأرصفة تخص أدوات التجميل من ماكياجات وكريمات وصبغات – ويتساءل – هل يمكن من قلب الفوضى صياغة الجمال ورسم خطوطه الناعمه ؟ ثم ينتقل المري إلى مخاطر مواد التجميل المقلده مثل الصابون والشامبو وكريمات الوجه ويقول إن رأي الأطباء واضح بأن سوء استخدام المواد الكيماوية التي تدخل في تصنيع مواد التجميل يسبب الأمراض الجلديه وغيرها .

الخطير في الأمر أن أغلب أدوات التنظيف والصابون و”الكريمات” و”الشامبو” تُصنّع محلياً، مع وضع أسماء الشركات العالمية عليها، ثم تباع في أسواقنا على أنها مستوردة تحت نظر الجميع، مضيفاً أن المشكلة لا تقتصر على الملكية الفكرية فقط، لكن الكارثة في خطورة الاستخدام الآدمي لها، لاحتوائها على نسب ضارة من “الكيماويات”،

وعدم مطابقتها المواصفات التي تحددها هيئة الغذاء والدواء، وإن تجارة السلع المغشوشة والمقلدة أصبحت مصدر تهديد لصحة وسلامة المستهلك، كما أنها تمثل إهدارا للموارد من خلال زيادة وتيرة الاستهلاك ، وتهديد الصناعات الوطنية الحقيقية ، والإحجام عن الاستيراد، ويضيف – هناك سلع خطيره سواء أُتلفت أو استهلكت، مثل الإطارات المغشوشة”، وما تمثله تلك السلع من مخاطر على سلامة الأشخاص ونظافة البيئه .. والسؤال لعلي المري – من يقف خلف هذه التجاره المدمره ، وما حجم الأرباح الهائلة التي تحققها ؟وهل العلاج هو مصادرة البضائع المقلده أم تنظيمها ومراقبة شروط جودتها ..

الدوسري .. حماية المستهلك
التقيت يوسف الدوسري على كورنيش جدا .. كان متأملا للبحر مختليا بنفسه وكأنه يبحث عن شيء ما في عالم بلا حدود .. تحدثت اليه عن سوق البضائع المقلده ومخاطر توحش هذا السوق .. رد على بجدية من صادق البحر واتحد مع أعماقه .. لابد من قنوات رسميه بين جهات مراقبة وبين الجمهور من خلال خطوط اتصال معلومه يبلغ الناس من خلالها عن السلع المغشوشه وعن مايتعرضون له من مخاطر ..

لابد من وجود جمعيات لحماية المستهلك يعمل بها متطوعون.. الناس بحاجه إلى توعية والحاح مستمر لأن الحاجه تغيب الوعى أحيانا وتبرر المخاطر وتضعف المخاوف ، والمستفيد الوحيد هو من يتاجر بهدف الربح فقط لأن الأصل عنده أن يكسب وليس أن يحمى المستهلك .. زيادة حملات التفتيش ضرورية جدا وتعدد مراكز ومختبرات فحص السلع أمر هام لأن رأسمال أي بلد هم البشر والانتماء يعززه شعور المواطن بأنه محل اهتمام كل المسئولين ..
الأخوان الأحمد.. إسأل مجرباً

شقيقان اشتركا في الأخوة واختلفا في الرأي حول جودة المقلد من عدمه – يعقوب الأحمد ومحمد الأحمد – شابان تعلو وجههما ابتسامة لها مايبررها – حالة من الرضا والاقبال على الحياة .. يقول يعقوب.. كنت أشتري الأصلي من ماركات السلع المختلفة كالنظارات والساعات ولكن في الفترة الأخيرة لم أعد قادرا على سعر الأصلى فلجأت للتقليد لكن ” فرست كوبى ” يعني مستوى أول من التقليد .. النظارة الأصلي تبدأ من 500 ريال اشتريها مقلدة ب100 ريال .. بالتأكيد الجودة أقل لكن لايفرق احد بينها وبين الأصلي وكله بيعيش مدد متقاربة.

هنا تدخل الشقيق محمد معارضا أحمد .. الأصلي أصلي والتقليد تقليد .. ولاتنسى ياأخي أن سلع مثل النظارات والملابس المقلده ( قالها المضروبه ) لها مخاطرها فالأولى تضعف النظر والثانية تتسبب بامراض جلديه وتزيد الشعور بالحر صيفا من كثرة الألياف الصناعية بها .. ويختتم محمد .. الذي ستوفره من فلوس في شراء سلع مقلده ستنفق أكثر منه علاج أو تكرار لشرائها بسبب تلفها المبكر وفي الحالتين انت الخسران والتاجر كسبان ..

الصقعبى .. لميت فرشة النت
استوقفنى شاب سعودي استغنى عن رصيف الشارع بفضاء الانترنت وعمل لنفسه موقعا لبيع الأشمغه المقلدة .. يقول خالد الصقعبي حلقت في فضاء مواقع التواصل – وهذه المره بغرض التجارة وليس التسليه ) لم أحصل على وظيفه بعد حصولي على شهادة الليسانس في اللغة العربية .. عملت لفترة بمدرسة خاصه وكان العائد ضعيفا ثم جاءتني فكرة موقع على الانترنت لبيع الأشمغة – وقد كان وكسبت وحققت فائضا وشعرت بعدم الحاجه لوظيفه ومرتب .. ثم يتوقف خالد برهة ويكمل .. الحلو مبيكملش .. قرأت أنه لابد من استخراج سجل تجاري لأي نشاط يمارس عبر الانترنت ومن يخالف سيعاقب قانونا على مخالفته .. الحقيقة ..

كما يقول خالد أنا تهيبت الموقف خاصة وانني لاأدعي التجارة في سلعه أصليه غير مقلدة ، وهذه مخالفة أخرى ، وقررت إغلاق حسابي على الانترنت – والآن أنا على فيض كريم .. استئجار محل مستحيل ماديا بالنسبة لي واستخراج سجل سيلزمنى بالاتجار في سلع غير مقلده وهذا يحتاج لامكانيات ايضا أنا غير قادر عليها ..

العمودي وعسيرى .. لا للعطور ونعم للتحف
ومع احمد العمودي ومنصور العسيرى أختتم رحلتي بين أرصفة التقليد التي يلتقط منها الزبائن الكثير من احتياجاتهم تحت شعار ” السعر قبل الأصل ” .. يقول أحمد العسيرى – أغراني سعر العطر الذي كنت أشتريه ب400 ريال حينما وجدته في أحد المحلات بـ100 ريال فاشتريته وعرفت من أول استخدام أنه سراب جميل يتبخر بعد دقائق من طلته العطرية الأولى .. تتلاشى الرائحة الزكيه ومعها شعرت أن المائة ريال طارت ولم تخلف لي سوى آثار بقع زيتية على ملابسي, وتلك كانت تجربتي الأولى والأخيرة.

أما منصور عسيري فقد عبر عن رضاه عن بعض البضائع المعروضة في البسطات .. يقول ببساطه وثقه .. صحيح معظمها بضائع وسلع مقلده ومغشوشه ولكن لابد أن نستثني منها أشياء مثل المسابح والإكسسوار والتحف ، ويضيف أنه اشترى بعض من هذه الهدايا التي يوجد مثلها تماما دون اختلاف بأفخم المحلات والفارق الوحيد في السعر وايضا في مكان العرض .. مقابل الفاترينه والمكيف والديكورات ندفع خمسة أضعاف سعرهدايا وسلع البسطات .

وعدت بعد ترحال بين بسطات البسطاء في الشوارع والحارات ولقاءات مع شباب يهتم معظمهم بالماركه حتى لو وضعت فوق سلعة مقلده .. لكن تبقى المشكلة أن هناك أموال تهدر في غير موضعها وصحة يضربها الغش التجاري أحيانا في مقتل وبيئة تتشوه بفعل التمدد اللامعقول لأسواق تولد وتكبر خارج رحم النظام والقانون والشكل الحضارى لجدة .. تلك العروس التي يلوث البعض ثوبها الأبيض دون اكتراث بصحتها وصحة أهلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *