حيدر إدريس عبدالحميد
أفريقيا هي عند البعض قارة الوحوش والمتوحشين والأوبئة والأمراض، وعند آخرين أرض الأمل والفرص الواعدة وما بين هذا وذاك تظل القارة السمراء في ذاكرة البشرية أرض الإنسان الأول والأجداد والتاريخ والتنوع.
وتقفز إلى ذاكرتي قصتي مع شاب آسيوي جلس إلى جواري في الطائرة الكينية المتجهة إلى الخرطوم.
كنت عائداً من رحلة طويلة في مطلع الثمانينات وفي محطة نيروبي جلس إلى جواري شاب آسيوي وسرعان ما تعارفنا .. عرفت منه أنه يود الالتحاق بالمركز الإسلامي الافريقي في الخرطوم، كان هذا المركز تدعمه ست دول عربية من بينها المملكة وله شهرة واسعة في العالم الإسلامي قبل أن يتحول الآن إلى جامعة ضخمة باسم جامعة افريقيا العالمية.
كان يبدو لي مضطرباً إن لم يكن خائفاً مما هو مقدم عليه, كيف هي الخرطوم؟!! والأهم كيف هم سكانها؟!!.. ربطت على قلبه حتى اعتقدت أن الطمأنينة قد كسته ولكنني فوجئت به يشب في وجهي عند خروجي من المطار ، سألته عمّا به وعرفت أن سائقي التاكسي بعفويتهم تجاذبوه وظنَّ أنهم يريدون به سوءاً ، واحتار ماذا يفعل فوثب في وجهي مستنجداً بي..
دعوته لأن يركب معي وطلبت من سائق التاكسي أن يوصله أولاً للمركز في الخرطوم ثم يتجه بي بعد ذلك إلى منزلي في مدينة أم درمان .. ولسوء حظي عندما وصلنا إلى المركز الإسلامي انقطع التيار الكهربائي ليزيد من مخاوفه وليشوه الصورة الجميلة التي حاولت أن ارسمها في مخيلته، ..بحثنا عن (الخفير) أو الحارس وأوصيته على الطالب وتوكلت على الله قاصداً منزلي..
ولعل الشاب وجد في المركز علماً نافعاً في حين كانت الخرطوم وما زالت منارة للعلم ومقصداً للعلماء وتضم أيضاً معهد الخرطوم الدولي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. وهنا اذكر أن البروفيسور عبدالله الطيب كما سمعت انتقد الاسم وقال إن الأصح هو.. لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
وعلى ذكر هذا الرجل الموسوعة – عليه رحمة الله – فقد استمع مرة إلى مطرب سوداني يغني أغنية أخذت رواجها من الشهرة يقول في مطلعها “شوفوا ليَّ حلل” أي أبحثوا لي عن حل .. فكان تعليق البروفيسور (الحلل هو: ذكر التمساح)..
وفي إحدى المرات كنت جالساً في استقبال القنصلية السودانية في جدة لحضور زواج أخ عزيز وجلس إلى جواري أخ سعودي وسألني عن السودان بعد أن عرفت منه أنه ذاهب إليه.. لم استغرب من سؤاله وإنما نصحته أن يتعامل بتلقائية مع الناس وهنا تذكرت قصة الزول السوداني الذي عاش مدة طويلة في الخليج حتى اتقن اللهجة الخليجية وعندما سافر إلى السودان أراد أن يستعرض على سائق التاكسي وهو في طريقه إلى منزله فقال له: أووه الجو حار جداً نحن في الخليج لدينا مكيفات في البيت والسيارة، ولم يكن في السودان في ذلك الوقت شخص واحد يستخدم مكيف السيارة فهي في معظمها سيارات قديمة.. وعندما مرا على (دوار) أشار السوداني المغترب إليه بيده وقال متهكماً ما هذا؟ قال له السائق: هذه صينية .. فضحك السوداني المغترب وقال له اسمه (دوار) والمفترض أن يكون فيه مجسم أو أي شيء يفتح النفس. واستمر الحوار والملاحظات حتى وصل الرجل إلى منزله وسأل السائق عن قيمة المشوار فقال له: أربعون جنيهاً. وهنا صعق الرجل وتحدث أخيراً باللهجة السودانية قائلاً بعصبية: “في شنو؟” أي في ماذا؟ فقال له السائق : ما قلتَ خليجي؟!!
وبلدي الآن يتعرض كغيره من البلدان إلى مصائب وفتن أحالت بيضاء قلوب بعض أبنائه إلى سواد,ولله الأمر من قبل ومن بعد.
