متابعات

أطفال اليوم .. براءة قلصها الوعي

جدة – فاطمة آل عمرو

أرجع البعض أن تغير سمات الطفولة عما كانت عليه في الماضي كان لها أثرها على أطفال اليوم الذين أصبحوا أكثر فهما وإدراكا واعتمادا على النفس من أطفال الأمس، ولكنهم في رأي آخرين باتوا أقل حناناً ودفئاً نظراً لانشغال الأم بالحياة والعمل بدلا عن تغذيتهم بتلك المشاعر البريئة، فوقعوا فريسة للمشاعر الجافة والاكتفاء بالأجهزة الذكية لتكون جليسا وأنيسا لهم،

مما أثر سلبا على براءة هذا الجيل، حتى أصبحت قيمة مفقودة، فيما يرى بعض المختصين أن هذا التطور قد ينتج جيلا منفتحا وأكثر وعيا وفاعلية، وأن مزيدا من التوازن في تربية الطفل يمكن أن يعظم الفائدة، ويقلص من حجم الخلل. (البلاد) طرحت هذه القضية للنقاش، من خلال آراء بعض الأمهات والمختصين.

قالت أم سالم (50 عاما): في الماضي كان الطفل الصغير لا ينطق بكلمات الكبار، وكان ممنوعا عليه أن يجلس وسط الكبار، ومع التطور الذي حدث في المجتمع أصبح بعض الآباء والأمهات يسعدون حين يردد الصغير عبارات أكبر منه، متصورين أن الطفل في هذه الحالة قد كبر أو انه ازداد ذكاءً، ولكن بالتراكم ذهبت البراءة مع التطور الهائل الذي طرأ على عالم اليوم”.

أما أم عبد الله، والتي تتحدث عن ابنها في المرحلة الابتدائية فقالت: أفاجأ أحيانا بابني الذي لم يبلغ العاشرة من عمره، يتحدث معنا عن كتاب قرأه مثلاً أو مسلسل تابعه، وهو مايسبب حيرتي إّذ أشعر أنني إلى الآن لا أعلم ما الذي يدور برأسه.

أطفال الكمبيوتر:
وتذكرت أم طلال حالها وهي صغيرة، عندما كانت تشاهد التلفزيون وقالت: كانت صوراً ومشاهد كثيرة تمر أمامنا في الأفلام العربية والأجنبية فلا نفهم لماذا أو كيف. وأحيانا كنا نشعر بالخجل إذا أردنا التحدث عن موضوع مهم نتهامس كي لا يرتفع صوتنا أو أن يرانا أحد. أما اليوم يجلس طفلي ذا الثمان سنوات ليتحدث أحيانا بلا خجل وبوعي كامل، ويستقي الكثير من معلوماته من خلال مواقع الانترنت.

فيما تتساءل رقية الجدعاني وهي أم لطفلتين: أين نحن من أطفال اليوم؟ على أيامنا كانت نظرة واحدة من أمي أو أبي دون ينطقا بكلمة واحدة تكفي لردع أي مبادرة لتصرف خاطئ، وأحيانا أخرج من الغرفة التي هما فيها احتراما لهما، أما اليوم فالنظرة أو الكلمة اختلفت والتي لم تعد تكفي، فابنتي الآن لم تكمل الثالثة عشرة من عمرها وتناقشني بل وتجادلني، وفي الغالب انسحب أمامها من كثرة اسئلتها.

من جانب آخر ترفض الاخصائية الاجتماعية حسناء محمد أن يضع تلك الظاهرة في صورة سلبية، وتقول: هناك اختلاف بين ظاهرتي الطفولة بالأمس واليوم، وهذا الاختلاف له سلبياته وايجابياته، وما لاشك فيه أن تعليم المرأة وإن لم تعمل أدى إلى نضجها الفكري والثقافي، والذي انعكس بدوره على أسلوب تربيتها لأبنائها، حيث أصبحت لا تعتمد في التنشئة الاجتماعية كالأجيال السابقة على العادات والتقاليد المأخوذة من الآباء فقط، بل أضافت الكثير نتيجة تعليمها وثقافتها. وهذه الإضافات كانت سببا في نمو الطفل الفكري والثقافي، وكل هذا جعل من أسلوب تعاملها مع الطفل به نوع من الجدية والعملية والواقعية وتحمل المسؤولية الكاملة.

وتضيف حسناء:” الأجهزة الذكية ووسائل الترفيه منها التلفزيون أيضا له آثاره على حياة الطفل وطريقة تفكيره منذ ولادته، مما جعله قادراً على التركيز وإثارة الأسئلة، كما أن عدم تواجد الأم والأب معه في أوقات فراغه، لذا أصبح يستقي معرفته ونضجه من الوالدين مبكراً، ولاننسى أنه في العصر الحالي يمكن أن تكون ظاهرة صحية تنتج شاباً واعياً ومثقفاً وقادراً على تحمل المسؤولية، إلا أنه لو لم يحدث نوع من التوازن بين هذا النضج وحرمان الطفل من إحساسه واحتياجاته الطفولية مثل الانطلاق واللعب فقد يؤدي هذا النضج إلى خلل في شخصيته”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *