الأرشيف مقالات الزملاء

حفلات الزواجات .. صمت للرجال .. وبهجة للنساء

بخيت طالع الزهراني

1
لو تأملنا الكثير من حفلاتنا في الزواجات , لوجدنا أن المشهد بين الرجال والنساء يقف على طرفي نقيض .. فالرجال حفلتهم هدوء مشوب بالحذر مع بعض أحاديث جانية مملة , وكثير صمت لمن لا يجد من يتكلم معه , ويظل المسرح الصامت أو فن (البانتوميم ) المعروف أفضل منه بألف مرة .
2
أما أخواتنا النساء فقد استطعن أن ” يأكلن الجو ” وأن يسعدن بالفرح , بشكل جعل عددا من الرجال ” يغتاظون ” وربما طالب بعضهم بـ ” حق المساواة ” .. فهن من أول دقائق المناسبة وحتى ما قبل خروجهن ، وهن يعشن برنامجا تتوالى فقراته واحدة بعد الأخرى .. فمن فقرة الدقاقات ، إلى المطربة ، إلى الزفة ، إلى المسابقات والجوائز، إلى الجلوس في قاعة فخمة ، إلى تناول طعام العشاء ” بوفيه ” فوق آرائك وثيرة ، إلى جانب أن طاولات جلوسهن تظل عامرة – طيلة الوقت – بالحلويات والمكسرات ، وما لذ وطاب من المآكل والمشارب.
3
بينما الحالة مختلفة جدا في قسم الرجال , بالقاعة المجاورة ، فلا يوجد برنامج للحفل ، ولا شاعر أو شعر أو فلكلور شعبي , إلا في القليل من المناسبات ، ولا مناضد فاخرة ، بل إن حشدا من الحضور يظل جالسا على مفارش بسيطة في فناء قصر الأفراح وسط الرطوبة والحرّ.. ويظل عدد من الرجال الحاضرين لمناسبة الزواج في صمت مطبق طيلة ساعات المناسبة ، فثمة من لا يعرف الذي بجانبه ، وإذا كانا يتعارفان فإنهما يظلان يتحدثان في أحاديث مملة , أشبه بأحاديث مركاز المقهى ، ويبقى الكثيرون يبحلقون في ملامح بعضهم ، وهناك من يحاول أن يتسلى فيعد الحاضرين بعينه ، وهناك من يأخذ منه الملل كل مأخذ ، فمرة ينظر إلى ساعته وأخرى يتسلى بـ ” جواله ” .. ومرة أخرى يسأل الذي بجانبه : متى يكون العشاء ، لأنه بالفعل زهقانا , ويريد أن “يخلص” من هذا المناخ , الذي يقترب من مشهد العزاء .
4
وهكذا يكون حال الرجال ، حضور صامت ، وجلوس ممل ، وساعات ثقيلة ، ثم ما أن يدعو المضيف ضيوفه للطعام ، حتى يتسابق الجالسون على المائدة , وكأنهم في مارثون عالمي ، وعندما يفرغون من التهام الصحون ، يتراكضون الى ناحية الباب الخارجي كأنهم خارجون من سجن .. لكن تظل أمامهم جولة جديدة من العذاب ، وهي انتظار خروج الزوجات , فتبدأ ساعات أخرى من التسكع , أمام وبالقرب من مدخل النساء .. ولا ينجو من هذه المرمطة الاّ من كان على وفاق تام مع زوجته , فتخرج إليه فورا ، أو من كان لدى الأسرة سائقا , وبالتالي فالسائق هو من سيأكل – لوحده – المرمطة كاملة .
5
أما أخواتنا النساء فإنهن يستمتعن بحفلتهن كاملة وفق تسلسل برنامجها ، بحيث يتابعن كل الفقرات في فرح حقيقي ، وضحك من القلب ، واحاديث باسمه مع القريبات والصديقات ، ومنهن من ترقص وتلعب وتزغرد وتصفق ، وتتمنى لو أن ساعات الفرح تتمدد أكثر وأكثر , حتى انبلاج الفجر الصادق ، وليس لدى معظمهن اكتراث بالأزواج “الملطوعين” ممن ينتظرون على الباب الخارجي ، فعلى كل واحد منهم أن ” يدبر نفسه ” فمن كانت لديه القدرة على الصبر والانتظار , فليظل قابعا كجثة هامدة داخل سيارته ، ومن كان ملولا فليعد إلى البيت ثم يحضر في موعد انتهاء حفلة النساء ، ومن كان من رواد وزبائن المقاهي ، فليمضي سحابة ليلته فوق مقاعد المقهى حتى يحين موعد خروج النساء , أو يطرده النادل .
6
وقد رأيت – بالمناسبة – عددا من الشباب المتزوجين حديثا ، وقد عزفوا عن حضور حفلات الزوجات ، فالواحد منهم يأتي بزوجته حتى يكون أمام مدخل النساء ، وبعد أن يطمئن على دخولها ، ينصرف إلى مكان آخر يختاره لقضاء معظم ليلته تلك ، دون أن يكون لديه الاستعداد للحضور مع الرجال في حفلة يحوطها الصمت والملل ، وليس بينها وبين اجتماع العزاء سوى شعرة صغيرة .. ثم إذا عاتبه أحد على عدم حضوره قدم له عذرا , من الأعذار إياها , وانتهى الموضوع .
7
السؤال الذي يفرض نفسه الآن .. هل ما يحدث هو أمر طبيعي ؟ .. أما السؤال الأخر فهو هل هناك بوادر حلّ لهذه الحالة العجيبة في أفراح الزواجات , التي تتم بهذه الصورة , وما أكثرها ؟ .. ومن الذي يمكن له أن يصوغ لنا فكرة جديدة , تجعل حفلات الزواجات عندنا , حفلات فرح حقيقي للرجال , كما هي للنساء ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *