جدة ــ البلاد
جاء حوار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، مع وكالة بلومبيرغ حاسما وحمل ردا لا يقبل القسمة على اثنين فيما يتعلق بالكثير من القضايا التي تهم المنطقة وتشغل العالم.
ووجد حوار الـ8 الاف كلمة اهتماما منقطع النظير، في وقت تسابقت فيه وكالات الانباء والصحف العالمية على ابرازه وعرضه على صدر صفاحتها الاولي، لجهة خرج عن مألوف الشفافية والواضح إذ إنه ليس من عادة القادة إجراء مثل هذه الحوارات المفتوحة مع الصحافة الأجنبية وفي مواضيع حساسة، وخصوصاً في منطقتنا الخليجية، تجنباً للإحراج، وما قد يترتب على بعض مفرداتها من ردود أفعال، لكن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كسر هذا التقليد وألغى هذا الحاجز النفسي.
وتؤكد تصريحات ولي العهد أنه لا فضل ولا منة من أحد في استقرار وأمن ورخاء المملكة، ولا دور لأي دولة كانت في استقرار السعودية والدليل هو التاريخ، وكما ذكر ولي العهد، فالمملكة دولة تضرب أطنابها في عمق الأرض منذ نحو 300 عام، وتحتاج إلى قرابة ألفي عام لكي تواجه “بعض” المخاطر.
وعلى لسان أمير الحزم يأتي الحزم والعزم والقوة، فمن يحمي أراضي المملكة هم أبناء شعبها، وهم من تعتمد عليهم السعودية في الحفاظ على أمنها واستقرارها، ولهذا فهي لم ولن تدفع أي شيء مقابل ذلك لأية دولة في العالم مهما كانت.
وعلى الرغم من الحزم في القول والفعل، إلا أن تصريحات ولي العهد لم تهمل العلاقات الإستراتيجية والمميزة التي تجمع المملكة والولايات المتحدة الأميركية؛ لأنها عامل هام ورئيسي في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط بأكمله.
وجاء تأكيد ولي العهد على أن الاختلاف مع تصريحات الرئيس ترامب لا يعني أنها ستؤثر على التحالف السعودي الأمريكي القوي والمتين، ليؤكد مرونة المملكة وتقبلها للرأي الآخر بصدر رحب طالما لا يتدخل الآخر في شؤونها الداخلية.
ويسعى ولي العهد ليل نهار إلى أن تصبح المملكة هي الدولة الأقوى سياسيا واقتصاديا وأمنيا، فسياسيا جاء الحزم مع كل من تسول له نفسه التدخل في شؤون السعودية الداخلية، وأيضًا المواقف الصارمة التي تتخذها مع المخطئين من الدول كبرى كانت أو قزما، أما اقتصاديا فرؤية 2030 كفيلة بأن تجعل العالم يترقب الأيام المقبلة والشهور المتتالية ليتعلم كيف تصنع الرؤى وتتحقق، وأخيرا أمنيا وتشهد على ذلك الضربات الاستباقية للإرهاب داخل المملكة، وميليشيا الظلام المدعومة من إيران في الخارج.. هي أهداف كبيرة يسخر ولي العهد كل الوسائل والأدوات الممكنة لتحقيقها وتنفيذها وبالفعل نجح في ذلك.
واسقط ولي العهد في لقائه مع بلومبيرج، الدعاية التركية القطرية التي تركض بها منذ نهار الثلاثاء الماضي، حول اختطاف جمال خاشقجي، ونسف كل الأقاويل التي يروّج لها “تنظيم الحمدين” من إقحام السعودية في قصة اختفاء “خاشقجي” الذي توارى بعد خروجه من السفارة السعودية في تركيا، فرّحب ولي العهد بالسلطات التركية في حال رغبت بتفتيش السفارة، رغم أنها موقع سيادي للسعودية قائلاً: “ليس لدينا ما نخفيه”.
وهذا أول ردّ رسمي من رأس السلطة السياسية، ليثبت ولي العهد اهتمام السعودية بأبنائها حتى لو كانوا هاربين بالمنفى، وهو ما أثبتته حماسته لمعرفة مصيره بقوله: “الخارجية السعودية تبحث مع السلطات التركية بشأن اختفائه”؛ ثم حسم الموقف بوجوده بالسعودية أو خارجها عندما ذكر: “أولاً نريد أن نعرف أين جمال؟”، فتحدث ولي العهد بشفافية مطلقة، وأبدى استعداده للتعاون لمعرفة مصير الصحافي السعودي.
بسطرين أو ثلاثة انهارت قلاع “تنظيم الحمدين”، ومات ذباب عزمي بشارة، وتعطلت سيور الكتائب الإلكترونية، ومن يصبّ في بوتقة الإعلام القطري من الذين استمرأوا الكذب في أبشع صوَره، ويعملون على مقولة مهندس الدعاية النازية: “اكذب.. اكذب.. ثم اكذب… حتى يصدقك الناس”.
فمنذ أيام تخصص “الجزيرة” النشرات وتنسج الروايات حول مصير الصحافي المختفي، ونشرت قصة وحذفتها لاحقاً تقول فيها: “الشرطة التركية فتشت السفارة، وأكدت خروج خاشقجي بعد 20 دقيقة من دخوله”، وحذفها هنا غير مستغرب؛ لأنه لا يتماهى مع موضوعها الرئيس “توريط الرياض”، فهي تريد حقن الرأي الدولي بالقصص المسمومة فأدانت نفسها بنفسها، وهذا ما أكده ولي العهد عندما أوضح: “أنه غادر السفارة بعدها بدقائق أو ربما ساعة”.
وعرّت القصة جهل “الجزيرة” بالعلاقات الدولية واتفاقية فيينا حول العلاقات بين الدول والتمثيل الدبلوماسي، فمتى كانت القنصليات السعودية عرضة للاقتحام والتفتيش؛ فالأعراف الدبلوماسية تؤكد: “تلتزم الدول المعتمد لديها هذه البعثات بمعاقبة من يعتدي على البعثات الدبلوماسية والقنصلية، وليس لممثلي الحكومة المعتمد لديها الحق في دخول مباني البعثة، إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة”، لكن “الجزيرة” بغبائها المطبق تظن السعودية من جمهوريات “الموز” لا سيادة لقنصلياتها ولا حصانة لمسؤوليها، وأبوابها مشرعة للأتراك يدهمونها متى ما أرادوا! وأثبت ولي العهد أن القنصلية موقع سيادي للسعودية ليس من حق أحد دخوله دون أذون رسمية.
وتثبت الوقائع التاريخية أن تركيا شهدت في السنوات الأخيرة حالات اغتيالات واختفاء قسري لصحافيين ومواطنين من بلدان مختلفة، ففي 19 يناير 2007 نفّذ اغتيال استهدف “هرانت دينك” الكاتب الصحافي الأرمني الأصل لأسباب غامضة، كما حدث أيضاً مع المعارض الإيراني ورفيقه الكويتي.