محليات

كان حجر الأساس لانطلاقة العصر الصناعي الجديد في المملكة.. معمل غاز البرّي يكمل أربعة عقود ويواصل رفد اقتصاد الوطن

الظهران – حمودالزهراني

قصة جديدة للنهضة والنمو والتطور، ترويها أرامكو السعودية، من خلال منشآتها العملاقة، وتسهم عبرها في تحقيق قيمٍ مضافة للاقتصاد الوطني وخدمته، فتلك المنشأة، التي تحتضنها شرقية الخير، والعطاء، يُنظر إليها؛ بوصفها المكان المناسب، لبدء مسيرة الخبرة المهنية للشباب.

معمل غاز البرّي في الجبيل الصناعية.. هو تلك القصة الفريدة، التي أبدعتها أرامكو السعودية، ووضعت من خلالها حجر الأساس للعصر الصناعي الجديد، الذي شهدته المملكة في أواخر السبعينيات، لذلك يمكن الجزم بأن هناك تاريخا مذهلا، ورصيدا رائعا مستمرا بالإنجاز على مدى أربعين عامًا. ومنذ بدايات إنتاجه الأولى، يقف على قمة عنفوانه وعطائه، واضعًا المملكة العربية السعودية على عتبة التحول الصناعي، ومحافظًا في الوقت نفسه على مكانته؛ ليصبح أحد أكبر وأكثر المشاريع الهندسية والإنشائية طموحًا؛ إذ ما برح يمثّل رمزًا لقصة أرامكو السعودية في تحريك عجلة الصناعة الوطنية، وضخ أثمن الاستثمارات في بناء الإنسان، والوطن. دعم النهضة الصناعية

في عام 1977م، افتتح الملك خالد بن عبدالعزيز، رحمه الله، معمل غاز البرّي بحضور عددٍ من الوزراء والمسؤولين، بالإضافة لرئيس أرامكو السعودية، وكبير إدارييها التنفيذيين، فرانك جنقرز، ومنذ ذلك الوقت شهدت الشركة والمملكة معًا نموًا غير مسبوق في مجال صناعة الغاز والصناعات البتروكيمائية، تطورت معه القوى العاملة السعودية، وتم تأهيل مهندسين وفنيين، ليحملوا على عاتقهم تزويد النهضة الصناعية بالطاقة التي تحتاجها.

كانت البداية الأولى لهذا المشروع الحيوي في عام 1975م، حين اتخذت حكومة المملكة العربية السعودية قرارًا بإنشاء شبكة الغاز الرئيسة، لتكون مصدرًا للغاز الطبيعي السعودي، الذي ستنتعش به حقبة اقتصادية جديدة في المملكة، وتمكّنها من وضع خطط اقتصادية شاملة، قُدر لها بعد ذلك أن تُغيّر معالم المشهد الصناعي المحلي.
وتوفر الشبكة، بداية من تلك الفترة، الوقود ومواد اللقيم الأولية للمدن الصناعية الجديدة في الجبيل وينبع. كما تقدم إمدادات جاهزة بأشكال مختلفة من الغاز للمصانع والمعامل المحلية، وكذلك للعملاء الدوليين عن طريق التصدير.

معالجة الغاز المصاحب
ظل الغاز المصاحب للنفط الخام، سنوات طوال لا يتم استخلاصه، ويرجع ذلك أساسًا إلى قصور العوامل التقنية والاقتصادية في ذلك الوقت. ومع التحول الذي شهدته السوق العالمية، ارتفعت تكاليف الطاقة، وظهور الحاجة إلى ترشيدها، مما جعل متطلبات تجميع ومعالجة الغاز المصاحب للنفط أمرًا عمليًا ومربحًا على حدٍّ سواء.

ومع التحول الذي شهدته البيئة الاقتصادية الجديدة، استعانت حكومة المملكة العربية السعودية، بأرامكو السعودية، خاصة وأن الشركة لديها من المعرفة والقوى العاملة وثقة الحكومة ما يكفي لتنفيذ البرنامج الطموح، ولتصبح شبكة الغاز هذه، العمود الفقري لعهٍد جديٍد في المملكة.

وبعد أن تم الإعلان عن الخطط الجديدة لشبكة الغاز الرئيسة، أصبح الرهان على معمل الغاز في البرّي لينهض بهذه المهمة، وكان من الواضح لأرامكو السعودية أن المعمل، بعد إجراء تعديل طفيف، ليس فقط يمكن دمجه في الشبكة بشكل عام، بل يمكن أيضًا أن يمثل باكورة نشاطها وأول مرفق في هذه الشبكة.

حجر الأساس
يُعد المعمل، من عدة أوجه، حجر الأساس للعصر الصناعي الجديد الذي شهدته المملكة في أواخر السبعينيات.

ولأن كل مشروع طموح يحتاج إلى دفعة قوية للانطلاق، ثم حيوية تحافظ على قوة انطلاقه إلى أن يصل إلى مرحلة الاكتمال وما بعدها، فإن شبكة الغاز الرئيسة لم تكن تحتاج البحث عن شيءٍ أفضل من معمل الغاز في البرّي الذي كان يمثّل دفعة هذه الانطلاقة، فقد كان أول مرفق في شبكة الغاز الرئيسة، ثم أعقبته معامل أخرى، ولكنّه كان بداية الانطلاقة.

وبعد نجاح بدء التشغيل في البرّي، توالت بخطى متسارعة أعمال اكتمال مكوّنات أخرى لشبكة الغاز الرئيسة، تمثلت في بدء تشغيل معمل الغاز في شدقم، ومعمل التجزئة في الجعيمة، ورصيف تحميل وتصدير غاز البترول المسال في عام 1980م. وبعد ذلك بعام، شهدت المملكة بدء تشغيل خط الأنابيب شرق/غرب، ومعمل الغاز في العثمانية، ثم تشغيل معمل تجزئة سوائل الغاز الطبيعي في ينبع، ومرافق تصدير الغاز الطبيعي المُسال في عام 1982م، فاكتملت بذلك شبكة الغاز الرئيسة وبدأت إنتاجها.

تاريخ من التطور
تتمتع مدينة الجبيل الصناعية بإمدادات جاهزة من منتجات الغاز المتنوعة، التي يتم سحبها مباشرة من شبكة الغاز الرئيسة مترامية الأطراف في المملكة، وفي الوقت نفسه، يجري تصنيع أطنان من الكبريت لتصديرها إلى مختلف دول العالم، وذلك من ميناء الملك فهد الصناعي بالجبيل. وفي خضم هذا الزخم، كان معمل الغاز في البرّي، هو العامل المشترك في هذه الشبكة.
عندما بدأ تشغيل المعمل في عام 1977م، كانت طاقته على المعالجة تبلغ 620 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز. وتضمن المرفق في وقتها ثلاث وحدات لتحلية الغاز، ووحدتين لاستخلاص الكبريت، ومعمل خدمات مساندة لمعالجة الغاز المصاحب من حقل أبو علي. ثم استمرت أعمال التوسُّع في معمل الغاز في البرّي بعد ثلاثة أعوام فقط من ذلك التاريخ، حيث بدأت التوسعة الأولى في المعمل.

ولأن غاز الإيثان أحد المنتجات المهمة في سلسة إمدادات شبكة الغاز الرئيسة، فقد أنشأت الشركة مرفقًا لتخزين غاز الإيثان في البرّي. ثم حققت الشركة إنجازًا تجاريًا آخر في عام 1984م بإنشائها مرافق تصنيع وتصدير الكبريت في ميناء الملك فهد الصناعي. وأصبحت هذه الإضافة الجديدة بعد ذلك أول منشأة للكبريت من نوعها في المملكة.

إعداد الكبريت للتصدير
كان تشغيل معمل الغاز بالبرّي حدثًا ضخمًا، ومجال عملٍ جديدا للشركة. فقد كانت وحدات صنع حبيبات الكبريت مركبة في أماكنها، وأصبح باستطاعة المعمل الآن إعداد الكبريت للتصدير.
وذلك الكبريت الذي يُستخلص من الغاز يُستخدم بكثافة في منتجات التسميد، والطلب عليه كبير على المستوى العالمي، وقد كان معمل الغاز في البرّي وراء هذا التأثير الاقتصادي المطلوب.

توسعة رئيسة أخرى
في عام 1997م، شهد المعمل توسعة رئيسة أخرى بعد إدخال مرفق معالجة الغاز عالي الضغط، الذي رفع طاقة المعمل إلى 970 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا. وكان هذا التوسع الجديد ضرورة لمعالجة الغاز المصاحب من حقلي السفانية والمرجان البحريين، بعد أن كان معمل الغاز في البرّي في السابق يستطيع فقط معالجة الغاز المصاحب منخفض الضغط الذي يأتي من حقلي بقيق وأبو علي.
واستمر الطلب في الزيادة حتى عام 2000م، الذي شهد إنشاء وحدة أخرى لاستخلاص الكبريت، ووحدة إضافية لمعالجة الغاز عالي الضغط، مما رفع من إجمالي قدرة المعمل الإنتاجية إلى 1.10 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا.

زيادة الطاقة الإنتاجية
كان معمل الغاز في البرّي منذ بدايته حتى عام 2002م، يُرسل غاز الإيثان مدمجًا مع سوائل الغاز الطبيعي إلى شبكة الغاز، ولكن في عام 2002م تغيّر هذا النهج إلى استخلاص المنتجات عالية القيمة بعد تركيب وحدات استخلاص الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي لتصل القدرة الإنتاجية إلى 1.37 مليار قدم مكعب يوميًا.

نتيجة لهذا التوسع زادت الطاقة الإنتاجية للمعمل وقدرته على استخلاص المنتجات عالية القيمة، عن طريق استخلاص الإيثان بالتبريد الشديد لتلبية الطلب المتزايد عليه في صناعات البتروكيميائيات في المملكة.

وفي عام 2005م، أدّت إضافة وحدة لمعالجة الغاز منخفض الضغط ووحدتين لاستخلاص الكبريت إلى رفع مستوى الإنتاج مرة أخرى إلى 1.44 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا. وبذلك يكون المعمل قد شهد تطورًا في مستويات إنتاجيته تزيد على ضعف ما كان عليه عند افتتاحه. ومن أجل الاستمرار في رفع مستوى الكفاءة، تم في عام 2005م بناء وحدتين خاصتين بالمعمل للإنتاج المزدوج للطاقة وبخار الماء تقومان بانتاج 300 ميغاواط، تولّد ما يكفي من الكهرباء لتشغيل المعمل بشكلٍ مستقلٍ والتصدير لشبكة الكهرباء السعودية.

عمل الغاز في مدين
التنوّع الهائل في أعمال معمل الغاز في البرّي، ليس له نظير على المستوى المحلي، لذلك تمت الاستفادة من خبرته في مشروع رئيس جديد على الجانب الآخر من المملكة؛ إذ يقوم معمل الغاز في مدين، بمعالجة غاز حقل مدين، الموجود على شاطئ البحر الأحمر في شمال غرب المملكة العربية السعودية، لدعم الطلب المتزايد على الطاقة ودعم التطوير المحلي في المنطقة. وقد عهدت الشركة بمهمة تطويره إلى معمل الغاز في البرّي.

ورغم أنّ معمل الغاز في مدين يقع في الطرف الآخر من المملكة، إلا أنّ معمل الغاز في البرّي هو المسؤول عنه، ويتم تشغيله مثل بقية المعامل الموجودة ضمن مجمع معامل الغاز في البرّي.

مركز للموارد البشرية
يُعد معمل الغاز في البرّي مركزًا للتدريب وتنمية الموارد البشرية، حيث يُسهم في إعداد مهندسين وفنيين مؤهلين، فضلًا عن إعداد كثير من قيادات الشركة، الأمر الذي جعل اسمه مقترنًا بتطوير الكوادر التقنية والإدارية.

يُعتبر مدى تعقيد وتنوع الأعمال في معمل الغاز في البرّي العامل الأساس في تميزه على هذا النحو، حيث يُنظر إليه؛ بوصفه المكان المناسب لبدء مسيرة الخبرة المهنية للمهندسين والفنيين الشباب.

وفي الواقع، ثمّة رصيد لمعمل الغاز في البرّي يتمثل في تطوير الكوادر، فقد كان على هذه الحال منذ البداية، ويبدو أنّه أمر متجذر في البرّي.

والجدير بالذكر أن معمل الغاز في البرّي احتضن تدريب مهندسين وفنيين من معامل الغاز في الخرسانية وواسط والفاضلي، ممن أمضوا أوقاتًا طويلةً في المرفق يتعلمون أسس العمل على أيدي أصحاب الخبرة.

وحتى هذه اللحظة، يظل نقل المعرفة والخبرة مفهومًا مترسخًا في المعمل، ولدى المعمل برنامج راسخ لتدريب المشغلين والفنيين منذ انضمامهم. وهذا أمر مهم فهناك فنيون ومشغلون عملوا واكتسبوا الخبرات لأكثر من 20 عامًا، وأصبح من الضروري نقل خبراتهم للجيل التالي.

هناك تاريخ مذهل ورصيد رائع في معمل البرّي؛ سواء من العمل الذي أُنجز لإطلاق شبكة الغاز الرئيسة، أو الجهود الجبّارة التي بُذلت لتطوير الكوادر وتدريبها، وإذ تم الاحتفال بمسيرة 40 عامًا من عمر معمل الغاز في البرّي، فإنّ ثمّة أمرا لا شك فيه، وهو أنّه صرح وطني سيستمر في رحلته لأعوام مديدة كأحد روافد أرامكو السعودية في تطوير صناعة واقتصاد الوطن.

1975 م البداية الأولى للمشروع
1977 م بدء تشغيل المعمل

1984 م إنشاء مرافق معالجة وتصدير الكبريت
1997 م إدخال مرفق معالجة الغاز عالي الضغط

2000 م إنشاء وحدة أخرى لاستخلاص الكبريت
2002 م تركيب وحدات استخلاص الإيثان
2005م إضافة وحدة لمعالجة الغاز منخفض الضغط ووحدتين لاستخلاص الكبريت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *