ملامح صبح

عايض الظفيري..انتصار حقيقي للشعر في أبهى صورة (2/2)

رؤية : مشعل الفوازي

أقول الفكرة بحد ذاتها ليست جديدة ، لكن المعول عليه ، هو طريقة التناول ، والمعالجة ، فالشاعر الذي يطرق هذا المجال ، لا يتحدث عن نفسه ، أو ماضيه ، مهما كانت التفاصيل ، لكنه يتحدث بلسان الجميع ، وينقل مشاعرهم الجياشة ، وحنينهم المفرط لذلك الزمن الفارط ، الذي يظل جميلا في الذاكرة ، حتى لو كان غير ذلك في الواقع ، ولأن المعول عليه ، كما قلنا هو طريقة المعالجة والتناول الشعري ، فإنني أقول بكل تجرد أن عايض الظفيري عندما طرق هذا الغرض جعلني كمتلقي أشعر بأنه لم يسبقه إليه أحد ، وأنه أخذني بيدي في هجرة زمنية لأيام البساطة وحضن إلام الدافئ ، وصوتها المشبع بالحب والأمومة ،

وهي تنادي وتسوق الحجة لإقناع صغيرها بالانضواء تحت جناحي العطف والرحمة في قلبها: يا وليدي الليل ليل غابت الصفرة !هذه الجملة بما تحمله من خصوصية زمنية ، لم تعد موجودة ، يبدو أنها تسكن– أعني الخصوصية الزمنية والمكانية – يبدو أنها أصبحت تسكن في أعماق عايض عندما لم يعد يسكنها ، ففي قصيدة أخرى له يتحدث عن هذا الواقع الذي كان هو كل العالم بالنسبة له :

بيـوت الطيـن يكسيهـا الظـلام نحـاس
لـيـا غــاب الـشـفـق قـامــت تـبـدالـي
سقايفـهـا خـشـب وعروقـهـا يـبّــاس
جريد من النّخل .. دوم النخل عالي

تشكّـل هالنجـوم عـقـود مــن ألـمـاس
تـدانـى كنّـهـا تـسـأل عـــن أحـوالــي
ليالي صيف وانفاس الهـوى نسنـاس
يـزاورنـا القـمـر كــنّ القـمـر خـالــي

يـدور البـن والمـوقـد غـشـاه نـعـاس
سوالفنـا تـجـي مـثـل الـرّطـب حـالـي

مع هذه الأجواء العابقة برائحة الأزمنة الجميلة ، نعود للقصيدة مدار الحديث الشعري هنا ، فعن هذه الأجواء ، وعن هذه الألفة ، عن حدود تفكيره وأبعاد رؤاه بشكل عام ، يحدثنا عايض قائلا:

كنت آحسب الوَقت لآيظلم ولآ يكره
كنت آحسبني آبَكبر بَس بـ سنيني
طفل كبير يتشيطن حزّة السهره
و الصبح مآ كآن ذآك الوقت يعنيني

مآكآن هَـ الصبح يغريني و آبنتظره
إلآ علشآن لعبي مع حبيبيني
مآكنت آحسب الزمَن قآسي على كثره
كنت آحسب إنه إلى آحلآمي / يوديني

هذا هو المفترض ، أو المتخيل على أقل تقدير ، لكن الواقع :

هَـ اللحين يآخيبتي عشره على عشره
هَـ اللحين يآ نَفس . . لوميني و لوميني

عـشته و شفته ويآ صعبه ويآ قشره
مآفيه شي قدَر حتى يسلّيني

وش آخر الصبر يانفس نفذ صبره
ثنيتهآ . . و الزمن لآبد . . يثنيني

وأي كان مصدر هذه الخيبة ، أو الخيبات ، التي لابد أن تكون قاسم مشترك للكثيرين ،الحالمين بغد أفضل،وبمجتمع أفضل ، فأن الأكيد أن هذا الــ عايض الظفيري،يعتبر انتصار حقيقي للشعر في أجمل وأبهى صوره ، وبالنسبة لي كشاعر وكمتلقي أجد في قصائده ملاذ آمن كلما ازدحمت سماء الشعر بردئ الكلام 00
وكلما فقدت إيماني ، أو كِدت أن افقده بالشعر، أعاده لي عايض بقصيدة واحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *