هاتفيا- آمال رتيب
ماجد عصام عمر عبد الجبار شاب سعودي كان على موعد مع القدر، أو بدقة مع إعصار “إرما”، فالرجل الذي غادر أمريكا قبل فترة ليست بالقصيرة بعد انتهاء الابتعاث وحصوله على الماجستير عاد إلى بلاد العم سام ” بقدميه”، مصطحبا زوجته وابنتيه، لدراسة عروض عمل قدمت إليه، وجاءت عودته بالتزامن مع هجوم الإعصار المدمر ٬ لم يتوقع الرجل أن يواجه “إرما” وجها لوجه، ويكون مسؤولا ليس عن أسرته الصغيرة فقط٬ إنما عن متابعة سعوديين آخرين٬ قدر لهم التواجد بالقرب من الإعصار.
عبد الجبار “شاهد عيان” روى لـ “البلاد” رحلة انتقاله مع أسرته ورحلات غيره من الشباب والأسر السعودية للهرب من أهوال “إرما”، مؤكداً أن النجاة لم تكن سهلة ، منوهاً إلى صعوبة التنقل في ظل تغيير الإعصار لاتجاهه ، وشح المواد الغذائية والمستلزمات الأخرى ، وعدم وجود أماكن شاغرة بالفنادق، منتقداً بيروقراطية وبطء الجهات الرسمية ( خارجية وسفارة وتعليم) في التعاطي مع الحدث ومساعدة أبناء الوطن ، لكنه في المقابل يفتخر ويشيد بشهامة الشباب السعودي ومروءته وقت الأزمة ، وأيضا بإيجابية وفاعلية الأندية السعودية ورؤساؤها ، شهادة عبد الجبار أيدتها شهادة لمبتعثين تواصلوا مع “البلاد “، وأكدوا غياب التواصل الفعال للملحقية مع مواطني المملكة ، والاكتفاء برسالة مسجلة ، ثم التواصل بعد فترة طويلة ، كما انتقدوا عدم مساعدة الملحقية في نقل المواطنين خارج مناطق الخطر، وعدم تقديمها لإعانات عاجلة ، وغياب أي بيانات رسمية عن خطوات إدارة الأزمة ، وإليكم شهادات “عبد الجبار” وبعض المبتعثين من قلب الأزمة” إعصار إرما”.. تفصيلاً.
التنبيه كان مبكرا
يقول عبد الجبار، إنه يسكن في منطقة قريبة من ميامي مع زوجته وابنتيه وأن تنبيه الإعلام الأمريكي عن الإعصار كان مبكرا جدا ٬ ولكن لم يكن من السهل الانتقال بالعائلة قبل حدوث الإعصار بأسبوعين٬ ولم يكن هناك توجه للإخلاء٬ لكن قبل الإعصار بـ5 أيام بدأت الإنذارات تتوالى ، وكان على الجميع اتخاذ الاحتياطات اللازمة وشراء أدوات لمواجهة انقطاع التيار الكهربائي، ومواد غذائية ضرورية ومياه ، وغيرها من المنتجات والمستلزمات.
3 أيام بحثا عن مياه
ويضيف عبد الجبار أنه لوحظ تناقص المعروض من المستلزمات بالولاية قبل وصول الإعصار؛ لأن كل سكان الولاية بالكامل كان لديهم نفس التوجه بتوفير المواد الغذائية والمياه٬ لدرجة أنه ظل يبحث عن مياه لمدة 3 أيام٬ وشمال ميامي بالكامل لم يكن فيها مياه٬ والأمر نفسه ينطبق على البنزين٬ وقبل الإعصار بـ ٧٢ ساعة كان الإخلاء اختيارياً، لكن قبل الإعصار بيومين صدر أمر بإخلاء السكن بل وإخلاء الولاية بالكامل٬ وبيانات من إدارة الولاية بعدم المسؤولية عن كل من يظل ببيته٬ لأن المنطقة خطرة واحتمال كبير لحدوث فيضانات ٬ وكان الأمر صعب؛ نظرا للظروف والميزانية التي لا تسمح بتحمل تكلفة الانتقال٬ لكن الوضع أصبح خطيرا ، خاصة في وجود زوجة وطفلتين٬ وقرر الانتقال وبدأ في التواصل مع الشباب السعودي بولاية ميامي.
“اترك رقمك وسنتواصل معك”
ويشير عبدالجبار إلى أن أحد المبتعثين لم يستطع التواصل مع السفارة أو تدبير مبلغ مالي يساعده على الانتقال٬ وحاولوا مساعدته قدر المستطاع٬ وتم تأمين سكن له مع إحدى العائلات داخل ميامي، وهو معهم حتى اللحظة٬ ولله الحمد بخير.
ويردف أنه قبل الإعصار بيوم حاول التواصل مع السفارة، لكن كل الأرقام والعنوان المرسل للطلاب في الإعلان كانت خاطئة٬ وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أخيرا كان الرد «اترك رقمك وسيتم التواصل معك»!، وتم التواصل معه الساعة الثالثة فجرا٬ وكان الرد ” دبر نفسك وسنعوضك مصاريف السكن”٬ أما بقية المصاريف والانتقال ، لم يكن هناك رد سوى المطالبة بالاحتفاظ بالفواتير.
رحلة شاقة للمغادرة
ويستطرد عبد الجبار راوياً تفاصيل مغادرته ميامي، إن الإعصار كان يتجه شرقا٬ وغرباً في أحيان أخرى ، ولم يكن أمامهم إلا تغيير مسارهم وفقا لحالة الإعصار ليبتعدوا عن اتجاهه٬ و”فلوريدا” بالكامل لم يكن بها أماكن شاغرة بالفنادق ولا “ساوث كارولينا ولا سافانا”٬ أما الطيران فكان مستحيلا٬ ويقول انهم تحركوا في السادسة من صباح الخميس ٬ والرحلة عادة تستغرق من 6 إلى 7 ساعات٬ لكنهم وصلوا “جاكسون فيل ” القريبة من “اتلانتا” بعد ارهاق 18 ساعة متواصلة في قيادة السيارة ؛ لأن٬ الولاية بكاملها – حوالي 4 ملايين نسمة – غادرت٬ وكان عليهم الراحة بعض الوقت ليستطيعوا التوجه لمكان آخر٬ ووصلوا الفندق 8 مساء وكان مطلوب إخلاء الفندق والولاية أيضا قبل 11 صباحا٬ فناموا 4 ساعات فقط، واستكملوا الرحلة شمالا إلى “جورجيا”٬ وفي هذا التوقيت غير الإعصار اتجاهه٬ فتوجهوا إلى “ساوث كارولينا ” ، واستقروا في مدينة “شارلوت”، المفترض مغادرتها خلال أيضا خلال ساعات.
شهامة شاب سعودي
وينوه عبد الجبار إلى أن مجموعة من المبتعثين حاولوا أيضا التواصل مع السفارة ، ولم يكن لديهم سوى الرد الذي تلقاه ٬ مما دفع أحد الشباب للتصرف بشهامة واستئجار “باص” وكتب على مواقع التواصل ” من يريد الانتقال فليتفضل٬” واستقل الباص 18 أسرة سعودية لشباب مبتعثين بصحبتهم أطفال ونساء حوامل٬ وكانت هناك سيارة شباب أخرى ، وتوجهوا إلى شمال غرب “فلوريدا”، بناء على طلب الملحقية بالتوجه لفندق معين مع الوعد بالتكفل بمصروفات الإقامة٬ ويقول عبد الجبار إنهم وصلوا الفندق 4 فجرا٬ ولم تكن هناك أي حجوزات ٬ وبعد العديد من محاولات الاستعطاف لإدارة الفندق سمحوا لهم بالبقاء في بهو الفندق أو النوم عند المسبح٬ وفي الصباح تحركوا إلى مدينة “بنما”، وبقوا هناك يوما لأن المنطقة أيضا خطرة٬ وتحركوا بعدها إلى “نيو أورلاندو” لحين ظهور أي جديد.
وأيضا..رؤساء الأندية والشباب
وبحسب عبد الجبار ، كانت هناك مجموعة أخرى أمورهم أكثر تيسيرا ، وانتقلوا بالطائرات إلى ولايات أكثر أمنا٬ وكذلك هناك مجموعة من 10 أشخاص تفرقت بهم السبل وكل منهم ذهب إلى ولاية٬ ويتوجه عبد الجبار بالشكر والفخر لكل الشباب السعودي المتواجد في كل الولايات الذين هبوا لمساعدة إخوانهم وعائلاتهم واستضافوهم وأحسنوا استقبالهم٬ وقدموا لهم كل الدعم المادي والمعنوي٬ وكذلك رؤساء الأندية السعودية الذين كانوا على قلب رجل واحد في الأزمة٬ وتحركوا بطريقة أكثر تنظيما٬ سواء في جمع المعلومات أو التواصل مع الشباب ودعمهم وتوجيههم.
إدارة الأزمة
ويوضح عبد الجبار أن مواسم الأعاصير أمر متعارف عليه وموسمي٬ ومن هذا المنطلق يفترض اتخاذ التدابير اللازمة وفقا للمنطقة٬ وتجهيز فريق عمل للرد عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن الرسميات٬ وربما إعصار شارلي وإعصار إرما لم يكونا متوقعين بهذه الحدة٬ ولكن حفاظا على أرواح شبابانا المبتعثين٬ يمكن للقنصلية والملحقيات توزيع العمل ٬ فبدلا من الضغط على قنصلية هويستين والتي يتبعها ١٥ ولاية٬ وهي من الولايات الأكثر تضررا كان يمكن توزيع المهام بشكل سريع تماما كغرفة عمليات أو حالات عاجلة٬ ونتمنى اتخاذ تدابير أكثر دقة تساند السعوديين في غربتهم وحداثة تجربتهم الحياتية والعملية.
القصائد الرومانسية لا تصلح
ومن جانبها تعلق أماني عثمان على موقف القنصلية بقولها: الملحقية كرجل يضرب زوجته ثم يصالحها بقصيدة رومانسية على مواقع التواصل الاجتماعي!، هو لا يصالحها، إنما يلمع صورته!.
وشهادات لمبتعثين
وأدلى عدد من الطلاب المبتعثين بأمريكا بشهاداتهم لـ “البلاد” عن إدارة القنصلية والملحقية لأزمة الإعصار في “فلوريداً”، مشيرين إلى أن باعثهم على الكلام اسم ومكانة المملكة، ومؤكدين أن هناك كثير من المواطنين كان لديهم “سيولة مالية” ، لكن لم يستطيعوا إيجاد حجز طيران أو قطارات بسبب عمليه الإخلاء لأكثر من ٤ ملايين شخص٬ ومع أزمة الوقود والمياه فإن المشكلة الأعظم كانت مبدئياً في المواصلات، ثم مع استنفار الحكومة الأمريكية و توفير بنزين مرة أخرى أصبحت الأزمة في السكن والمال.
إدارة الملحقية للأزمة
وأضاف المبتعثون أن إدارة الملحقية للأزمة يمكن تلخيصه في عدة نقاط.
أولاً: يوجد العديد من “العوائل” والأفراد لم يخرجوا من “فلوريدا” لعجز في السيولة المالية، بينما دول خليجية أخرى أخلت طلابها ورعاياها قبل اشتداد الأزمة سواءً بالطائرات أو الحافلات.
ثانياً: ترددت أنباء نقلاً عن أشخاص من القنصلية في “هيوستن”، بأن الملحقية ستعوض المواطنين بـ”أثر رجعي” عن نفقات “الفنادق” وليس المواصلات (وهي الأزمة الأكبر)، بشرطي توافر الفواتير وتوثيق احتمالية الهلاك حتى يتم التعويض.
” قال أبو فلان”
ثالثا: يقول المبتعثون إن لم تخلِ رعاياك وقت الخطر أو قبله ، فأصرف لهم مبلغ مقطوع ليحلّوا أزمتهم؛ لأن صرف المبلغ بأثر رجعي لا ينقذ من ليس لديه مال في اللحظة الحاسمة . فإن كنت تريد تجنب الإثقال على ميزانية الملحقية فأصرف دعماً ماليا، ثم استقطعه بأثر رجعي و ليس العكس.
الدارسون على نفقتهم
كان موقف الطلبة الدارسين على حسابهم الخاص أكثر إيلاما ٬ فهم لا يجدون ما يساعدهم على الهروب، ولا إجابات شافية للاستفسارات.
وقد يقول قائل إن بعض وليس كل الدول أخلت رعاياها؛ نعم لكن ليس كل الدول بمقدرة المملكة العربية السعودية، ولا يعتقد “المبتعثون” أن وضع بند للطوارئ سيواجه باعتراضات من المالية.
المشكلة في (التواصل)
يرى المبتعثون أن الأزمة الأكبر خلال إدارة (الأزمة) كانت في غياب التواصل الفعال، فلا يوجد حتى الآن أي “إيميل” رسمي مطمئن٬ وحينما تطرح الأسئلة عن الإخلاء والتعويضات في “تويتر ” يكون الجواب: “زودنا برقمك وسيتم التواصل معك”، وهو رد كلاسيكي لا يتناسب وحجم الأزمة.
تساؤلات مشروعة
ويتساءل المبتعثون: هل يعقل الطلب من أبنائنا وبناتنا حفظ الفواتير وهم يحاولون الهرب من الموت ؟، ولماذا القنصلية في “هيوستن ” فقط، كانت هي المتابع رغم أنها ما زالت تعاني من أضرار ومتابعة شؤون السعوديين في ولاية “تكساس” جراء إعصار شارلي .
إجراءات (كانت) واجبة
ووفقاً للمبتعثين يطرحون عدة اقتراحات يمكن الأخذ بها مثل: تقسيم المهام بين السفارة والملحقية والقنصليات الأخرى لخدمة السعوديين في ولاية فلوريدا، وتأمين “باصات” في مناطق تمركز الطلاب٬ ونقلهم لخارج الولاية؛ حيث إنهم النسبة الأكبر من المواطنين.
وأخيرا طالب المبتعثون من الجميع الدعاء لهم بحفظ الله والنجاة والعودة للوطن بالسلامة.