•• أول أمس وأنا أضع يدي في يده .. وأقول له اليوم نستطيع ان نقول انك اصبحت “يتيماً” فملأت دموعه عينيه رغم محاولته في التغلب عليها والامساك بها قبل ان تنهمر .. لحظتها رأيت في بريق تلك الدموع صوراً من حياته معها كم كانت ملاذه ومرفئه في الحياة تلك الحياة التي انكفأت فيها عليه منذ رحيل والده في عام 1369هـ فراحت تحتويه بحنانها وبرعايتها وهو في الثانية من العمر لم يعرف أباه فكانت هي الأب والأم فأصبح لها هو السلوى التي تعيش بها فترى الحياة من خلال نظراته .. ولعبه حتى شقاوته التي كانت تسعدها وكان هو لا يعيش الا تحت وهج تحركها.
ذات يوم وكنت أجالسه .. وبهدوئه القاتل وكان الحديث الهامس بيننا يدور حول الام في حياة الانسان فقال لي:
تعرف يا علي : كل ما اشتدت عليَّ الامور اذهب اليها وبدون ان أقول لها ما اعاني كانت تسبقني الى معرفة ما اعاني منه انها “الفنار” الذي تدور حوله حياتي .. لقد عانت هي من مرضي منذ ان دخلت ذلك المستشفى لإجراء أول عملية جراحية .. كانت لا تنام الليل وهي تسأل بل وتحقق في كل ما تسمع عني .. كان دعاؤها هو الذي يدخل الى قلبي السلام والراحة وانقذني الله بدعائها.
كان الحديث مع صاحب السمو الملكي الامير طلال بن منصور دامعاً بل وحزينا وأنا اسحب يدي من يده في هدوء لحظة مواساتي له وأنا مدرك بان تلك الشجرة المظلة التي كان يستظل تحت افنانها قد مضت الى خالقها راضية مرضية فهو الرحيم بها وأنا أعرف ان فقدها بالنسبة له كان فقداً شديد القسوة والالم.
وقلت أعرف أيضاً ان احساسك بالفراغ كبيراً وان شعورك بذلك الغطاء الذي تحس تحته بالأمان قد انقشع .. اعرف كل ذلك.
ولكن ماذا نفعل هذا هو طريقنا جميعاً؟
تمتم .. وهو يقول نعم .. نعم .. حسبنا الله ونعم الوكيل “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
رحم الله والدة طلال بن منصور واسكنها فسيح جناته.
علي محمد الحسون