•• هناك من الناس من لا يعترف بالجلوس على المكتب لأداء عمله.. إنه يشعر بالقيد يعطل كل طموحه، إنه لا يجيد العمل إلا في “الميدان”، لهذا خرج من مكتبه، ومن أضابير الملفات والورق، وعاش في “الشارع” يخطط على الطبيعة، ويتحرك على تلك الرمال المحيطة بالمدينة.. كان يقود سيارته قيادة خاصة، يكسر من خلالها كل قوانين السير في سبيل تثبيت “علامة” هندسية لمشروع يراه في خياله على هذه “الرمال”.
أقدر أقول إنه لم يداوم في مكتبه خلال كل سنوات خدمته إلا سويعات كل يوم، وبقية اليوم في جهات المدينة الأربعة يخطط، ويرسم، ومعه كل مهندسي الأمانة، بل ومن استعان بهم من الخارج الى أن وضع المخطط الزاهي للمدينة.
ثم استقدم مشاهير الفنانين النحاتين، وأوجد متحفاً في الهواء الطلق لأكبر الفنانين العالميين كان يحلم أن يحيل طريق السيل الى نهر يشق جدة من الغرب الى الشرق، وأن يطلق في سمائها كل الطيور المغردة، كان حلماً جميلاً.
لم توقفه كل العقابيل والعراقيل.. عن تنفيذ ما أراده ويريده لمدينة جدة.. التي أُطلق عليها عروس البحر.. لقد حول وجهها الى البحر بعد أن كانت تعطيه ظهرها، حيث ذهب العمران في السبعينات والثمانينات الهجرية الى طريق مكة في انصراف عن البحر، ولكنه أعادها إليه من جديد.
عندما توقفت المشاريع لأسباب خارجة عن السيطرة لشح الموارد البشرية.. وجد نفسه داخل المكتب فلم يستسيغه.. فكان قراره ان يترك العمل.. لقد كان الدكتور المهندس محمد سعيد فارسي واحداً من الذين لن تنساهم “جدة”، ولن ينساها هو رغم انه لا يوجد شارع يحمل اسمه.. إن جدة وفية مع ابنائها، والفارسي أحد أبنائها ليس بالولادة أو التعليم، ولكنه بالعشق لها. فمنحها حب الابن لأمه، وكانت أمه رحيمة به فاعطته كل شيء لكي يبدع على وجهها.. الذي تركته له فاستخدم كل وسائل التجميل فأزال من على سحنتها كل التجاعيد وتعب السنين فأعاد إليها جمالها وبهاءها فأصبحت فتية جاذبة لمن يراها لأول مرة فلا يملك إلا العيش عندها وتحت حنانها وعطفها نعم أنه ابنها بالعمل فلن تنساه أبدا.