الأرشيف دوحة السودان

العبقريان صلاح وسند .. تشابه في الموهبة والنشأة

صلاح أحمد إبراهيم ومصطفى محمد سند شاعران سودانيان موهوبان أنتجا شعرا رصينا ذا حضور طاغٍ في مجالس الأدب . يمتاز شعرهما بالجمال الباذخ واللغة الرصينة والتصوير البديع والبلاغة ما شكل متلازمات متظاهرة لدى محبي الشعر السوداني.
هنالك أوجه شبه بينهما جديرة بالتأمل والاهتمام , فالاثنان نهلا من معين القراءات المبكرة في جانبي العلوم الدينية والدنيوية. وهو الأمر الذي أوصلهما لمرحلة الإمساك بتفاصيل اللغة في شكلها المعروف لديهما رصانة وعمقاً. ولا غرو في ذلك فصلاح هو حفيد محمد الفضل جده لأمه وهو أول مدير لمدرسة الخرطوم الأولية التي انشأها رفاعة رافع الطهطاوي. أما والده فهو المعلم المعروف بتدريسه للعلوم الدينية كالفقه والحديث والسيرة بجانب تدريسه للمواد الأكاديمية الأخرى. كذلك مصطفى سند كان ذا حظ أن نشأ في بيت علم ودين، فجده سند العالم هو من أوائل السودانيين الذين اهتموا بالعلم الديني في السنوات الأخيرة من القرن قبل الماضي، فتوارث ابنه محمد سند والده «والد مصطفى» هذا الإرث الديني فأصبح أحد أصحاب الإبداع الشعري فكانت له ندوة يؤمها كل من الشيخ الضرير ومحمود عزت المفتي وأحمد إبراهيم والد شاعرنا صلاح أحمد إبراهيم. ونشأ مصطفى سند في هذه الأجواء الأدبية فكتب الشعر وهو ابن سبعة عشر عاماً.
وفي ما يتفق حول حياتهما نجد كتابتهما للشعر في سن مبكرة، فصلاح أيضاً كتب الشعر وهو صغير في السن، إذ كتبه وعمره ستة عشر عاماً.
وتعتبر حالة التشابه بينهما هي الدالة على قربهما من بعضهما البعض. فالاثنان نشرا أولى قصائدهما بصحيفة «الصراحة». وقد كانت صحيفتا «السودان الجديد» و «الأيام» محطة من محطات نشرهما لقصائدهما كذلك في فترة الستينيات. والملاحظة الجديرة بالاهتمام لدى الشاعرين هي اهتمامهما ومنذ سنوات باكرة من حياتهما بتجمعات الأدب والمثاقفة، فالاثنان ظلا وحتى وفاتهما في حضور ونشاط وممارسة لحرفة الأدب.
فالمعروف عن صلاح أحمد إبراهيم احتفاؤه بالمهتمين بالأدب والأدباء، ومن ذلك أصبحت داره في باريس خلال سنوات إقامته بها محفلاً مصغراً للأدباء السودانيين العابرين من وإلى فرنسا، والأدباء العرب كذلك مثل قاسم حداد البحريني وسعدي يوسف العراقي وغيرهم. في جانب مصطفى سند تبرز حالات وجوده داخل عدد من تجمعات الأدب، بدءاً بندوة والده الشيخ محد سند وهو طفل صغير لم يتجاوز العاشرة من عمره، ومن ثم ندوة أم درمان الأدبية حيث تم تأسيسها عام1953م بصحبة مؤسسها عبد الله حامد الأمين وعبد الله النجيب ومهدي محمد سعيد وآخرين. ومن ثم رابطة أدباء الثغر ببورتسودان وانتهاءً بندوة الطيب السَّرَّاج.
ومن مشتركات حياتهما تلك النتاجات الأدبية الخالدة في عالم الشعر، فكان جيل الستينيات والسبعينيات هو الجيل الأكثر حظاً في تلقف تلك القراءات والكتابات الباذخة التناول أدباً وفكراً.
صلاح لديه خمس مجموعات شعرية بدءاً بـ «غضبة الهبباي» في عام 1968م وانتهاءً بمجموعته «يا وطن» التي طبعت بعد وفاته بسبعة عشر عاماًَ مروراً بـ «محاكمة الشاعر للسلطان الجائر» و «غابة الأبنوس» والديوان الشعري رائع روائع الشعر السوداني «نحن والردى».
في حين توجد خمس مجموعات كذلك داخل موسوعة الدواوين الشعرية السودانية لمصطفى سند وهي «البحر القديم» و «بيتنا في البحر» و «عودة البطريق البحري» و «درجة القبول في الحب والحلول» و «بردة الصلاة».
ومن أوجه الشبه بينهما أيضا أن بدايات اهتمامهما بالأدب كتبا القصة القصيرة ـ فمن أشهر قصص صلاح أحمد إبراهيم قصة «خادم الله» التي أحدثت دوياً مذهلاً في عام 1958م، هذا غير كتابته عدداً من قصص مجموعة «البرجوازية الصغيرة». أما مصطفى سند فقد كتب رائعته «كيو» التي نشرت بمجلة القصة في بدايات عام1960م.والاثنان انتميا لموسوعة شعراء الفرادة والتميز داخل منظومة الشعر السوداني.
** نموذج لشعر صلاح إبراهيم :
لو أن القلب يسيل
بحار لهب
لعصرت القلب إلى
أن يفلت من كفي
قطرات
ولصرت حطب
** ونموذج لشعر مصطفى سند :
كأنما في طبولها المدمدمات
من الأسى شرارة
ورثتها كما أحس من
أصواتها
ورملها المهيب من
سهول الحياة والحب
والإثارة
أحس أنني إلى هنا
انتميت
منذ أن هاجرت
بويضة جدتي
تعبر عوالم
الصحارى تمتد غائرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *