الرياض – واس
عدّت الحجامة جزءًا أساسيًا من الممارسات الطبية التقليدية في الكثير من المجتمعات التي عُرفت عبر التاريخ، واستخدمها الأشوريون عام 3300 قبل الميلاد إلى أن جاء الإسلام واحتجم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ولجأ إليها الناس على مر العصور بحثًا عن بدائل علاجية أخرى بجانب الأدوية والعقاقير الكيميائية، بيد أن الحجامة اعترتها بعض الممارسات العشوائية التي شوهتها ما استلزم تنظيمها خشية الإضرار بالإنسان.
وشهدت الحجامة انتشارًا واسعًا في الدول العربية والإسلامية بعد أن أصبحت ممارسة شعبية توارثتها الأجيال بوصفها طبًا بديلًا، ووجدت اهتمامًا علميًا وبحثيًا في أوروبا، وأمريكا، وآسيا، أدى إلى إثارة جدل واسع بين مختلف الأوساط الطبية في تلك القارات حول مدى فاعليتها ومحاذيرها في بعض الأحيان.
هذا الجدل العلمي دفع المركز الوطني للطب البديل والتكميلي في المملكة الذي أنشئ عام 1429هـ إلى وضع آلية تنظيمية تضبط ممارسة الحجامة في البلاد آمنة وفاعلة ومبنية على الأدلة والبراهين العلمية، فضلا عن تطبيق ضوابط تنظيم ممارسة الأفراد للحجامة في المملكة الذين بلغ عددهم نحو 1000 ممارس عشوائي، بحسب قول المدير التنفيذي للمركز الدكتور عبدالله بن محمد البداح.
وأوضح الدكتور البداح في حديثه لـ”واس” أن المركز منح مؤخرًا مهلة لتصحيح أوضاع ممارسي الحجامة العشوائيين في المملكة، إما بالحصول على الترخيص أو تجديد تراخيصهم الممنوحة لهم عن طريق وزارة الشؤون البلدية، مبينًا أن وزارة الشؤون البلدية أوقفت مؤخرًا منح وتجديد التراخيص للممارسي الحجامة بطلب من وزارة الصحة.
وعلى ضوء ما تقدّم، وإزاء ما وجدته الحجامة من اهتمام طبي عالمي نتج عنه إدراجها ضمن ما يسمى بـ” الطب البديل والتكميلي” أو ” الطب الاندماجي “، وإنشاء كليات ومراكز أكاديمية متخصّصة لها، تسلط “واس” الضوء في هذا التقرير على موضوع “الحجامة” من جميع الجوانب التي تخصّ تفاصيلها الشرعية والطبيّة، وطرق استخداماتها المُثلى، بناءً على معلومات اسُتقيت من ذوي الاختصاص في المركز الوطني للطب البديل والتكميلي.
وانطلاقًا من التاريخ، فقد عُرفت الشعوب القديمة مهنة “الحجامة” على نطاق واسع، واستخدمها الأشوريون منذ عام 3300 ق.م، فيما دلت النقوش الموجودة على المقابر الفرعونية على أن الفراعنة استخدموا الحجامة لعلاج بعض أمراضهم منذ عام 2200 ق.م، وعدّها الصينيون واحدة من أهم ركائز الطب الصيني التقليدي حتى الآن، واستخدمها الأطباء الإغريق، ووصفوا طرق استطباباتها.
ولما جاء الإسلام، أقرت الحجامة، بعد أن مارسها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأثنى عليها، ففي الصحيحين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره، وثبت في المسند وسنن أبي داود وابن ماجة ومستدرك الحاكم أن رسول الله قال ( إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة).
وخصّص العالم الرازي فصلاً كاملاً تحدث فيه عن “الحجامة” وفوائدها وطرق تطبيقها، أما العالم ابن سينا فقد أوضح فوائد الحجامة بالتشريط، في حين قسم العالم الزهراوي الحجامة إلى قسمين أساسيين : الحجامة بالتشريط، والحجامة الجافة التي تستخدم في الأعضاء ولا تحتمل التشريط عليها كالكبد والطحال، والثديين، والبطن، والسرة، والغاية من إجرائها جذّب الدم من عضو إلى عضو.
أنواع الحجامة:
اُشتهر في الحجامة نوعان رئيسيان هما: الحجامة الجافة، والحجامة الرطبة أو الدامية، ثم ظهرت أنواع أخرى عديدة من الحجامة مثل: الحجامة المتزحلقة، أو الانزلاقية، أو الحجامة بالتدليك وغيرها.
ويستخدم في الحجامة الرطبة الكؤوس بأشكالها وأحجامها المتعددة، وتختلف عن الحجامة الجافة بتشريط الجلد تشريطاً خفيفاً، ووضع الكأس على مكان التشريط وتفريغه من الهواء عن طريق الشفط (سحب الهواء) فيندفع الدم ومكوناته من الشعيرات والأوردة الصغيرة إلى سطح الجلد بسبب التفريغ الذي أحدثه الشفط، وهي التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى بها.
أما الحجامة الجافة فيستخدم فيها كؤوس الهواء بوضعها على موضع الألم في جسم المريض دون شرط جلده، وتفيد في نقل بعض المواد وتحريك الدورة الدموية من مواضع الألم إلى سطح الجلد، وبذلك يختفي جزء كبير من الألم، وأكثر ما تستخدم الحجامة الجافة في الطب الصيني وبشكل واسع وتطبق الكاسات على نفس مواضع الوخز بالإبر الصينية.
والحجامة المتزحلقة تشبه نظيرتها الجافة، لكنها تكون متحركة عن طريق دهن الموضع بزيت ( الزيتون أو النعناع أو الكافور المخفف) ثم وضع وتحريك الكأس بطريقة معينة في المكان المطلوب لجذب الدم وتجميعه في طبقه الجلد، وهي مفيدة – بإذن الله – لأمراض العضلات مثل :التيبس، والشد.
وهناك أشكال أخرى للحجامة تُصنّف أحياناً كأنواع مستقلة للحجامة، وهذه الأنواع ظهرت بسبب تعدد الشعوب التي استخدمت الحجامة، كما أن بعض هذه الأنواع قد ظهرت وتطورت حديثاً، أو ارتبطت مع أنواع علاجية تكميلية أخرى، ومن أشكالها: الحجامة الكهربائية، والمغناطيسية، والنارية، والمائية، وفوق الإبر الصينية، وفوق الإبر بالموكسا، والأعشاب، والومضية السريعة.
مواضع الحجامة:
يقول المختصون في مركز الطب البديل أنه من الممكن عمل الحجامة في أي موضع بالجسم، فنقاط الحجامة يمكن أن تكون كثيرة أو قليلة بحسب نوع المرض، ورغم ذلك فإن الظهر والرقبة وخلف الأذن وأسفل الظهر تعد من أشهر المواضع لعمل الحجامة، كما يمكن استخدام كأس واحدة لإصابة محدودة المكان أو عدة كؤوس لأماكن أوسع مرضاً.
وقسموا النقاط إلى نقاط ألم موضعية، وبعيدة ذات علاقة بالعضو المصاب، ويتم عمل الحجامة عادة في تلك النقاط، بينما يقوم الطبيب المختص أو الممارس بتحديدها لكل مريض بحسب حالته وشكواه.
فوائد الحجامة:
للحجامة تأثير إيجابي ملحوظ على العديد من المشكلات الصحية، ولها فوائد علاجية متعددة منها ما ثبت علميا بالدراسات، ومنها ما لوحظ بالخبرات والتجارب المتراكمة، ففي العصور القديمة لم تحدد بدقة استخدامات الحجامة، إلا أنها كانت تستخدم لإخراج الدم والصديد من الخرّاج، وكذلك لامتصاص الدم من الجروح المسممة ومواضع عض الثعابين.
وبعد ذلك اتسع مدى الاستخدامات ليغطي بعض الأمراض الباطنية العديدة، ولوحظ أن عدداً كبيراً من الأعراض المتكررة تختفي فقط بعد جلسات قليلة من العلاج بالحجامة، واستخدمت الحجامة لعلاج عرق النسا، وآلام أسفل الظهر، وإزالة احتقان الصدر الذي يحدث مع نزلات البرد والأنفلونزا، ومساعدة الأنسجة على التخلص من المواد الضارة، وتعزيز الدورة الدموية، وتحفيز جهاز المناعة، وإفراز مواد كيميائية بالدماغ تعمل على تقليل التوتر والاكتئاب، كما أنها تشجع إمداد الأنسجة المصابة بالتغذية الدموية والليمفاوية الكافية عن طريق تحسين سريانهما إلى العضو المصاب فينشط وظيفيا.
استعمال الحجامة:
يقسّم الأطباء دواعي استعمال الحجامة إلى ثلاثة أقسام بحسب المستوى الهرمي للدليل والبرهان العلمي على النحو التالي:
أولاً: حالات صحية وطبية توفرت لها أسانيد علمية معقولة مثل : تحسين الصحة العامة عن طريق تنشيط المناعة والجهاز الدوري، والحالات المتعلقة بآلام أسفل الظهر، وبعض الالتهابات وروماتيزم المفاصل، والصداع، والصداع النصفي، ومتلازمة الألم العضلي المتفشي، ومتلازمة الإعياء أو التعب المزمن .
ثانيًا : استخدامات للحجامة تستند إلى براهين علمية ليست حاسمة بعد، كالتهاب المفاصل الروماتويدي، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول في الدم، والنقرس، وبعض الاعتلالات الهرمونية، والربو الصدري.
ثالثًا : استخدامات مستندة على خبرات وتجارب خاصة ليس لها براهين علمية، كالحمى والالتهابات المزمنة، ونزلة البرد والأنفلونزا، وبعض الأمراض النفسية، والجهاز الهضمي المزمنة مثل الإمساك المزمن.
محاذير الحجامة:
يحذر المركز الوطني للطب البديل والتكميلي من ممارسة الحجامة على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا، والحوامل، ومرضى السرطان، ومرضى القلب، والمصابين بالفشل الكلوي الحاد، أو من يُجرى له غسيل كلوي، ومرضى الالتهاب أو الفشل الكبدي، ومرضى نقص المناعة المكتسب “الإيدز”، ومرضى سيولة الدم، ومن لديه جهاز تنظيم ضربات القلب، ومن يأخذ أدوية سيولة الدم كالوورفارين وما في حكمها.
أيام الحجامة:
ظهر اختلاف حول الأيام المفضلة للحجامة، لكن أستاذ الشريعة الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان أوضح أنه وردت أحاديث نبوية عديدة في تحديد أيام الحجامة في ( 17، و 19، و 21) من كل شهر، مبينًا أن هذه الأحاديث صحهها بعض العلماء كالشيخ الألباني – رحمه الله -.
وأفاد الشيخ السدحان في معرض تعليقه لـ”واس” على هذا الاختلاف أن حاجة الإنسان للحجامة من أجل العلاج لا تلزمه بأيام معينة، ولكن إن استطاع أن يجمع بين الأيام المحدّدة شرعًا مع حاجته للحجامة فهو خير.
ووفقا لموقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية، فقد نُقل عن أنس بن مالك رضي الله عنه القول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أراد الحجامة فليتحر سبعة عشر ، أو تسعة عشر ، أو إحدى وعشرين ، لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله، أما في حال المرض فتعمل في أي وقت ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم ، فإن الدم إذا “تبيغ” بصاحبه يقتله” (التبيغ : زيادة الدم في الجسد) ، وكان الإمام أحمد – رحمه الله – يحتجم في أي وقت هاج به الدم ، وفي أي ساعة كانت.
طرق الحجامة:
1 / قبل البدء في جلسة الحجامة :
يجب أن يحرص الإنسان على شرب السوائل بوفرة، والانتظام على ما يأخذه من علاج، وعدم الأكل قبل الحجامة لمدة ساعتين، وعدم الشرب قبلها بساعة، والنوم الكافي قبل الحجامة، وعدم ممارسة الرياضة أو السهر والقيادة لمسافة طويلة، أو السفر في نفس اليوم، والتواصل مع الطبيب المعالج بخصوص أية أدوية أو أعشاب يتناولها بانتظام (خصوصا أدوية سيولة الدم) أو الأدوية التي تتناولها أو وقفها يوم الحجامة وكيفية العودة لتناولها بعد الحجامة تحت إشرافه.
وبعد الموافقة على العلاج بالحجامة، وبدء استشارة الطبيب أو الممارس، يحرص الإنسان على طرح أي استفسار طبي على الطبيب المعالج أو الممارس للحجامة وإبلاغه بأية ظروف صحية خاصة أو عامة، وحتى تتم الحجامة بنجاح يفضل الاطلاع على الموافقة المستنيرة على العلاج بالحجامة التي من المفترض أن تكون موجودة لدى الممارس، حيث أنها إجراء طبي لصالح المريض والطبيب على السواء.
2 / أثناء جلسة الحجامة :
يجب ارتداء ملابس نظيفة يوم الحجامة، والاسترخاء، والاشتغال بذكر الله عز وجل، وتجنب النوم بتاتاً أثناء جلسة الحجامة، واتبع تعليمات الطبيب، وتواصل معه بخصوص الوضعية التي تناسبك، وإبلاغ الطبيب المعالج بأي ملاحظات ليس معتاداً عليها المريض أثناء الحجامة من حيث الإضاءة أو التهوية أو الخصوصية أو النظافة أو تعاون فريق العمل.
وإذا شعر الإنسان بشدة الشفط أو ألم في موضع الكؤوس يبلغ الطبيب المعالج فورًا، وكذلك إذا انخفض الشفط، أو كاد الكأس أن يسقط من مكان الحجامة، مع التأكد أنه تم تنظيف وتجفيف جميع المواضع التي أجريت فيها الحجامة، وتم وضع اللصقات عليها.
3 / عقب الانتهاء من جلسة الحجامة :
ينتظر المحجم ما بين 15 – 30 دقيقة يتم فيها ملاحظة حالته الصحية بواسطة الطبيب أو ممارس الحجامة في العيادة، مع عدم تناول الأكل أو النوم بعد إجراء الحجامة لمدة ساعتين، وإبلاغ الطبيب بأي ملاحظات يشعر بها في مواضع الحجامة أو على صحته العامة، لكن يمكن شرب الماء بعد الحجامة مباشرة، ويستحسن البدء بأكل بسيط مثل الحساء والوجبات اللينة، وتجنب أكل الحار والدسم، ثم التدرج في العودة للأكل الطبيعي في اليوم الثاني، مع التركيز على الخضروات الطازجة والفواكه.
ولا يفضل أطباء الحجامة غسل مواضع الحجامة في ذات اليوم قدر الإمكان، لأن حكم اللصقات مثل الجبيرة يمسح عليها عند الوضوء، مع الاستحمام في اليوم التالي للحجامة لمدة ثلاث أيام بصابون طبية، ودهان مرهم معقم، والحفاظ على موضع الحجامة جافاً ونظيفاً حتى يلتئم.
كما يجب الحرص على الراحة والامتناع عن التمارين الرياضية يوم الحجامة، والإقلال من النشاط الزائد والحركة بصورة عامة لمدة ثلاثة أيام، وتختفي الدوائر محل الكؤوس عادة من 5 – 7 أيام في حالة الحجامة لأول مرة، وبعد ثلاثة أيام في حالة الحجامة المتكررة.
المركز الوطني للطب البديل والتكميلي:
يعد المركز الوطني للطب البديل والتكميلي الجهة المرجعية الوطنية في كل ما يتعلق بنشاطات الطب البديل، ويسعى من خلال برامجه إلى الارتقاء بممارسات الطب البديل والتكميلي ومعالجة المشكلات وأوجه القصور المصاحبة لها وفق أسس وضوابط مهنية في التنظيم والترخيص والرقابة تضمن – بعون الله تعالى – السلامة والفعالية والجودة، كما يسعى إلى تبادل الخبرات والتجارب والمستجدات والتطورات، وتهيئة البيئة وتوفير اللازم من البحوث والمعلومات المتعلقة بالطب البديل.
وأوضح المدير التنفيذي للمركز الوطني الدكتور عبدالله البداح، أن المركز يعمل على تنمية قدرات الممارسين في مجال الطب البديل والتكميلي، ورفع وعي المجتمع وإكساب أفراده المهارات والاتجاهات والسلوكيات المعززة للاستخدام الرشيد للطب البديل.
وأفاد أن المركز أجرى العديد من البحوث في مجالات : معرفة واتجاهات وسلوك أفراد المجتمع عن ممارسات الطب البديل والتكميلي، ووضعه في مناهج الكليات الصحية، واتجاهات أطباء الرعاية الصحية والعاملين في القطاع الصحي حوله.
وبين أن المركز يقوم بتدريب وتأهيل من يمارس مهنة الحجامة في المملكة على أساسيات إجرائها، وضوابط وأخلاقيات ممارستها، والتعليمات الواجب إتباعها قبل وأثناء وبعد إجرائها، بالإضافة إلى وسائل مكافحة العدوى، والتخلص الآمن من النفايات الطبية واحتياطات ومحاذير الحجامة، ومهارات اختيار مواقع الحجامة على الجسم، والإجراء الآمن لها، مشيراً إلى أن مثل هذه البرامج التدريبية تأتي تمهيداً لمنحهم الترخيص بممارسة الحجامة.
ويحذر المركز في نشراته التوعوية من مدعي الطب البديل والتكميلي الذين يروجون لأنفسهم عبر وسائل الإعلام والإتصال الحديثة، محددا إياهم بأنهم الذين يدعون أن لهم إجابات لكل الأسئلة الطبية ويقدمون وصفة علاجية لكل الأمراض، ويدعون أن علاجهم هو الوحيد الفعال، وأن لهم طرقا سريعة بالشفاء التام رافضين مشاركة غيرهم من الممارسين في عملية المعالجة، إضافة إلى المدعين الذين يبدون حرصهم على المال أكثر من حرصهم على الصحة والسلامة، ولا يحملون مؤهلًا معترفًا به أو ترخيصًا رسميًا من المركز.