حين كان نابليون بونابرت يخوض إحدى معاركه في اوروبا تقدم إليه أحد الضباط النمساويين ، وأعطاه معلومات تساعده على كسب المعركة ، وحين رغب نابليون مكافأته جزاء لما قام به ، امتطى جواده ورمى إليه صرة من الذهب ، فصاح الضابط قائلاً : إنني أنشد مصافحتك أيها القائد ،فرد عليه نابليون : لمن هم أمثالك لا يستحقون إلا هذا !! أما يدي فلا تصافح رجلاً يخون بلده . هذا النوع من الخيانة يسمى في القانون الدولي الخيانة العظمى وتتجلى في أبشع صورها من أناس تبؤوا المراكز القيادية في دولة رعتهم وأحسنت مثواهم وائتمنتهم على قضايا وطن وهمّ شعب فغدروا فيه ونالوا من هيبته ومكانته وتسببوا في إضعافه وتبديد ثرواته وإمكاناته …فالخيانة هي أزمة في الأخلاق يعيشها فاقد الاحساس والشعور وعديم الذمة والضمير ، وهي اختراق للعهد وانتهاك لحقوق الآخرين وما اتفق عليه من قواعد مفترضة بين الأفراد والمجتمع والدولة ،وهي بلا شك مؤلمة لا يشعر بها إلا من تذوقها وربما عجزت الكلمات عن وصفها وليس لها أي مبرر لا في دين ولا عرف .. وقد تتجلى الخيانة بين أناس يدّعون الصداقة وهم عنها بعيدين فيعطونك من طرف اللسان حلاوة ويروغون كما يروغ الثعلب، فتحسبهم أوفياء وهم متآمرون يجترون الصداقة ليرموك في حبال مكائدهم ، فالخيانة طبعهم والغدر ديدنهم , وقد يلجأ أحدهم إلى الابتزاز أو المقايضة مقابل حفظ ما أسررته له حين كنت مخدوعاً بحسن معشره وصدق كلامه ، كما أن الخيانة قد تكمن في المشاعر أو تمارس على شكل علاقات خارج نطاق الحياة الزوجية تؤدي إلى الانتقام وفقدان الثقة أو التوازن العاطفي والنفسي بين الزوجين وتشيع البغضاء والكراهية والغضب بين الأبناء . ومع التقدم التقني في وسائل التواصل الاجتماعي وحالة الفراغ العاطفي الذي يعيشه البعض وحباً في الاطلاع والتسلية ، وتراجع القيم الأخلاقية طفت على السطح تقليعة جديدة تدعى بالخيانة الالكترونية ، أغرت المتصفحين لمواقع الدردشة أو ما يسمى بمنتديات التعارف بالتحدث بين المتابعين الافتراضيين وتبادل الصور وعبارات الثناء والغزل ثم إقامة العلاقات الشاذة والغريبة في كثير من الأحيان. وبهذا تكون العولمة بجميع وسائلها وأدواتها الحديثة قد عمقت الهوة بين الأزواج وشقت النسيج الأسري وأضعفت العلاقة المقدسة فيما بينهم ” يقول المولى عز وجل : ” وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ” …
ما أجمل أن تعود المودة والرحمة بين الأزواج وأن تسود الشفافية في تعاملاتهم اليومية وأن يصارح كلّ الآخر فيما يلوج في خاطره من أفكار وما يعتريه من أوهام تحيده عن سواء السبيل، فيساعد الشريك شريكه ويكون له عوناً ومنقذاً من الانحراف الذي قد يزلقه إلى حافة السقوط في هاوية الخيانة . وما أجمل الولاء والانتماء للأسرة والأهل والأقارب وما أحلى تقوية روابط الصداقة بين الناس القائمة على أسس وقواعد متينة ، فهي كنز ثمين وقودها الاخلاص وعربونها الثقة المتبادلة بين الأصدقاء ، التي تخلو من أية منافع أو مكاسب دنيوية آنية . وفوق الجميع يبقى الوطن فهو عزّنا وهو فخرنا ، فيه نحيا وعلى أرضه نموت ، ومن خيراته نعيش ، فكيف نخونه أولا نرتقي إلى مستوى الوعي باستحقاقاته ؟ حفظ الله الأوطان وأدام الوفاء …

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *