وللسياسة دواعشها أيضاً!!
عندما يكون الكذب بين اثنين ينحصر الضرر. وعندما يتجاوز العدد الى مجموعة محدودة أمام المصدر.. ايضاً ينحصر ذلك الضرر.. وعندما يكون أمام القضاء يحضر الضمير أو يغيب. وعند الأخير يتوزع التأثير طبقاً لمسار المحاكمة وموازين العدل والحكم بعد المداولة. إلا أن بين كل هذه النماذج كذبة واحدة محببة الى النفوس. بل ترسم الابتسامة والبراءة. وذلك حين يكون مصدرها طفلا صغيرا. الى هنا والأمر طبيعي جداً.
لكن أن تصعد الممارسة الى المنبر السياسي فتلك مصيبة لا تتوقف على افراد أو مجموعات محددة. بقدر ما تستهدف أمة ووطنا. ثم لا تلبث ان تكشف حجم الفكر والعقيدة السياسية للمصدر. وتطيح بالثقة في ممارسة الإنسان. خاصة وهو يعتقد انه يستطيع تمرير ما يقول على المتلقي.. وهو اعتقاد يعد جريمة في حق أمة يخاطبها لمصادرة وعيها وثقافتها رغم اختزالها للتفاصيل.
هكذا كان نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق في خطابه الاخير الذي أسماه باعلان التنحية من منصبه. كان أطرف ما فيه قوله أنه لا يحب “التشبث بالمناصب”!!
يكذب المالكي على الأمة.. وعلى التاريخ في غياب الضمير.. وهو يدرك أن العالم داخل وخارج العراق على معرفة بتمسكه بالمنصب حتى بعد نهاية ولايته الثانية. وتلويحه بالحرب بعد تعيين رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي الذي هو من نفس كتلته ومذهبه. واعلن انه سوف يستمر بحكومة داخل الحكومة محرضاً في نفس الوقت الجيش العراقي والأمن على تبعيته. المالكي كذب ايضاً بانه لن يلجأ للمحكمة مع أنه تقدم بشكوى رفضتها المحكمة الدستورية العليا في بغداد.
يكذب نوري المالكي على العالم بانه صاحب مبادرة في اعلانه التنحي في الوقت الذي كان قد تم حسم الأمر بطرده وتعيين بديل عنه بقرار رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وتأييد شركاء صناعة القرار. ويكذب ذلك الرجل الأهوج عمداً بعد أن صفعته المرجعية الدينية في النجف الأشرف بتأييد علي السيستاني لقرار طرده.. وبعد أن اعلنت طهران التي كان يعتقد انه ابنها البار موقفها ضد ارادته. وبعد أن اعلن البيت الابيض اسدال ستارته السوداء على حقبة تاريخ المالكي واحباط طموحاته من خلال تأييد قرار اقالته مع تحذيره من اشعال الفتنة في بلد تتزاحم فيه الفتن التي كانت وستظل من ارث المالكي الذي يمتلك وحده احقية علاماتها في التجارة السياسية وصناعة سرايا اعلامها واقنعتها. وتشريع الحروب على الهوية. والأغرب بعد كل هذا ان يكون الفارق ساعات قليلة بين اعلانه في صيغة واضحة أن يكون هو أو العراق وبين خطاب ما أسماه بالاستقالة وعدم حرصه في تمسكه بالمنصب. مع عدم رغبته في رفع قضية للمحكمة رفضتها أصلاً قبل يوم من خطابه.
ورغم ذلك تعمد على أن يكذب ثلاث مرات من منصة الخطاب المضحك في محاولة التسطيح الوهمي والتسويق الاخير لمسرحية هزلية دون أن يخجل حتى من الذين كانوا يقفون خلفه وامامه في منبر أكبر واحدث كذبة ستبقى في ذاكرة التاريخ لرجل مارس “الدعشنة” هو وبعض انصاره من تحت عباءة سياسية قاتلة. قبل ان تخرج “داعش” لممارسة العبث والكذب من تحت قناع عقيدة دينية جاهلة و”قاتلة أيضاً”.
التصنيف: