وشغلتنا الدنيا عن صلة الأرحام

• مصطفى محمد كتوعة

كثيراً ما افكر في حال حياتنا وما يشهده مجتمعنا من تغيرات وهي كثيرة وقد منحتنا من التطور في مظهر الحياة الكثير ايضا ونحمد الله على هذا التطور حيث تميز مجتمعنا بقدرة عالية على ذلك والاستجابة لسنة الحياة ونواميسها، ولو تغيرت هذه النواميس وضعف تجاوب المجتمعات معها لما اصبح العالم على ما هو عليه من تقدم غير عادي اخذنا الى آفاق بعيدة ولكن في المقابل هذا التطور اخذ منا الكثير والكثير ونال من النفوس وتمكن من الكثيرين ولم يعد الإنسان يفكر الا في مصلحته وهناك من يضع مصلحته على حساب الاخرين وزادت الانانية وضعف الترابط بين نسيج علاقات المجتمع شيئاً فشيئاً حتى نال من صلة الارحام بل داخل الاسرة الواحدة.
ما يؤسف له ان الاستجابة للتطور والاستغراق في حسابات المال يسير في اتجاه خاطئ وهو المسار المادي الذي عادة ما يصيب الانسان بالجفوة والانانية ويضعف نقد الذات ويأتي على علاقات اجتماعية وصلات ارحام كان المجتمع في الماضي اكثر ما يكون حرصاً عليها ويعاب على من يتخاذل فيها وكانت الاسرة تربي اولادها على هذه الصلات الحميمة وحقوق الارحام وحق الجوار، وكانت هذه مبادئ واخلاق البيت الحارة والمجتمع ككل حيث كان الغني يعرف الفقراء من أهله ومن جيرانه ويتكافل معهم في السراء والضراء.
وكان الاغنياء يبذلون ولا تعلم شمالهم ما تقدمه يمينهم وكان الواحد منهم يرسل اهل بيته لزيارة اهل الفقير ويعطيه ما يسر الله له وما تجود به نفسه سراً حفاظاً على كرامتهم وسترهم، فسادت المودة والتراحم ولم يكن بينهم مكان للبغضاء بل محبة وتواد، حيث لانت قلوب الاغنياء فأحبهم الفقراء ودعوا لهم بالخير وبالمزيد وان يفتح عليهم بركات من السماء اما اليوم فلا احد يدري عن الفقراء شيئاً ولا عن الارحام ولا يتفقد احداً منهم ولا يسأل بل تمضي السنوات ولا يتذكرهم واذا تذكرهم يتجنب السؤال عنهم، فصلة الارحام هي من اسباب الرزق والبركة ورضا الله وقطيعتها من اسباب تعجيل العذاب في الدنيا قبل الآخرة ويخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد “ما من ذنب أجدر بأن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما ينتظره في الآخرة من البغي وقطيعة الارحام.
لقد أفاد الله بلادنا ومجتمعنا بالخير ونعيش في نعمة ولله والحمد، ولكن لماذا تزايدت الشكوى من عقوق الوالدين ومن ضعف صلة الارحام بل هناك من يقدم المجاملة على القرابة وصلة الارحام ومظاهر الوجاهة ومستلزمات مجتمع الاغنياء على ما اوصى به الله تعالى من حق الارحام وكما قلت ان كثيراً من المشاريع الخيرية تقوم على البذل وتبرعات اهل الخير وجزاهم الله خيراً وزادهم من فضله ولا احد ينكر ذلك بل ندعو لهم بالمزيد ولكني اركز هنا تحديداً على تعزيز صلة الرحم وتفقد الاقارب فلن يضير الاغنياء شيئاً اذا زار ارحامه وسأل عنهم وادخل عليهم السرور، لان هؤلاء بالتأكيد سيفرحون بمثل تلك الزيارات لينال المحسنون بهذه الزيارات الدعوات الصادقة.. اليس في ذلك اجر من الله عز وجل فالمال ينفق ويفنى ولكن تبقى الفضائل والاعمال الطيبة في ميزان الحسنات.
من المفارقات ان بعض الاغنياء من يسهل عليهم السفر الى اي دولة بعيدة او قريبة ويمضي اياماً واسابيع في زيارات عمل او ترفيه واذا قرر السفر سيكون في هذه الدولة او تلك خلال ساعات ولكنه يستكثر دقائق لزيارة ذوي قربى واداء صلة الرحم لانه بدل مع وسطه الاجتماعي ومستواه المالي اشياء كثيرة حيث حل الاغنياء والوجهاء ومن هم في نفس المستوى محل الاقارب والارحام وهذا تضيع لحق الله فهذا لا يلغي ذلك وانما تكتمل الحياة بحق الله وبطبيعة الحياة العادية وكثير من الاغنياء يتذكرون ايام الحارة وايام زمان والحياة البسيطة لذلك لابد من تصحيح هذا الخلل الكبير حتى يديم الله نعمائه على النفوس ويبارك في حياتنا.
لابد ان نربي ابناءنا على معنى صلة الرحم وممارسته وان يعلموا ان ما يفعلونه اليوم سيكون لهم او عليهم غداً، فمن يقطع الارحام سيجد ذلك في ابنائه واحفاده.. نسأل الله ان يبارك في نفوس الجميع ولنتذكر ان البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت وانه كما تدين تدان فصلة الارحام ليست مجاملة ولا رد حميل ولا تحضع لنظرية من زارني ازوره ومن قاطعني اقاطعه فقبول الاعمال معلقة بصلة الارحام وهذا ما يجب ان يدركه كل إنسان.. اللهم اهد نفوسنا تقواها وزكيها انت خير من زكاها.
للتواصل : 69920973

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *