هل نشهد ربيعاً من نوع آخر؟

• ناصر الشهري

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]ناصر الشهري[/COLOR][/ALIGN]

في حديقة الطيور وسط غابة \”برنا\” التي تقع على الحدود بين البرازيل والارجنتين كانت الشابة الفلسطينية حسناء وزوجها يتجولان بطفلهما الصغير على مواقع الحديقة – حسناء وزوجها اللذان تعرفت عليهما بعد ان رأيت \”الحطة\” الرصاصية تلف عنقها. زوجها رجل انيق من ولاية الامازون. وهي فلسطينية الاصل مهاجرة مع اسرتها منذ زمن بعيد.
تقول حسناء انها على وشك الحصول على الدكتوراه في الأدب البرتغالي.. ولها حضور فاعل في الوسط الثقافي البرازيلي وكثيراً ما تشارك في مهرجانات أدبية لعدد من دول امريكا الجنوبية.
سألت حسناء عن مدى اهتمامها بنقل الثقافة العربية الى تلك البلدان؟ نظرت إلى السماء قليلاً في صمت ثم اجابت بقولها: سأكون صادقة معك. أنا لم أفعل شيئا من ذلك لأسباب تعود الى قناعتي في انه لا يوجد لدينا في الشرق ما يمكن نقله إلى الآخرين .. وذلك لأن ثقافتنا تخضع لتقاطعات متعددة محكومة \”بالتسييس والتابو\” الديني المتناقض في الكثير من محاوره واطروحاته. ثم تغليب المصالح الذاتية للمثقف العربي الذي يرتهن في النهاية إلى خطاب يعزله عن محاكاة الواقع متجرداً من عوامل التأثير ومخاوف النص ومفرداته. وهو ما يجعله في عتمة لا تمكنه من استخدام الضوء في المضمون بقدر يلتف على الحقيقة أو يوظفها إلى تلك التقاطعات في مسار المنهج!! قلت لحسناء وماذا عن القضية التي تعتملين شعارها حول عنقك.. هل خدمتيها في محافل مهجرك؟ تنهدت مرة ثانية ولكن بآه طويلة قبل ان تجيب على السؤال بقولها: هل تريد مني ان انقل الظلم الاسرائيلي أم الظلم بين اصحاب القضية الواحدة.. أم اوهام الانتصارات العربية في منصات الكلام.. انها \”خيبات\” كتبت تاريخاً من الهزائم.. وسوَّقت الكثير من الكتاب والشعراء وآباء أكثر توزعوا الشعب والأرض وحقائب السفر.
أما انا – تضيف حسناء – فليس بإمكاني إلاَّ ان ألف حول عنقي شعار الانتماء فقط في بلد لا يهمه مصدر هجرتك!!.
تذكرت ما قالته حسناء الفلسطينية لأعود بالذاكرة إلى قصص وروايات أدباء المهجر العربي الذين سبحوا في فضاء الكلمة من بلدان غير عربية كانت فرنسا أكثر محطاتهم قبل وبعد رحيل الاستعمار الفرنسي من بلدانهم . وذلك في مشهد الهروب من العدو إليه!! أو كما قال احدهم وهو مسؤول سابق ومثقف من دول المغرب العربي حين تحدثت معه ذات يوم في بهو أحد فنادق باريس الذي كنا نقيم فيه وبعد ان قال: انه يعشق الاقامة في فرنسا بصفة شبه دائمة.
قلت له: اذا كنتم عانيتم من الفرنسيين كمستعمر مستبد فلماذا انتم أكثر هجرة اليهم؟
عندها ضحك الرجل قائلاً: في ذلك الوقت كنا نقول لهم: كلمة نرددها : \”خذ ولدي واعطني أرضي\”.. وبعد الجلاء وتجربة الديمقراطيات العربية قلنا: \”خذ ارضي واعطني ولدي كي أرحل من هنا\” وخلاصة لما تقدم وما يطول الحديث عنه في هجرة العقول العربية واسبابها وأبعادها. يبرز السؤال الأكبر وهو: هل يزيد حجم الرحيل العربي في شكل ربيع من نوع آخر فرضته ثورات تحت شعار ديمقراطيات وهمية نشرت ادوات الموت. وتوزعت الضمائر والدماء؟.

[email protected]
Twitter:@NasserALShehry

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *