علي محمد الحسون

** كان ذلك العجوز الذي نتحلق حوله في ليالي الصيف.. التي تتخللها بعض النسمات الباردة فتعطينا انتعاشاً لذيذاً.. وفي ليالي الشتاء القارسة يزداد قربنا منه أكثر في ذلك الشتاء الذي يحيل كل شيء الى ركود.. وركون كان رجلا حكيما ليحكي لنا من حكاياته التي اختزنها عبر السنين والايام مما كان يشدنا الى الاستماع إليه.. لقد كان رجلا يملك القدرة على أن يستحوذ على أذنك وهو يقص عليك من مخزونه الذي لا ينضب من تلك القصص .. ذات ليلة قص علينا هذه الحكاية:
في الزمن القديم كان هناك أحد السلاطين أراد أن يرد الجميل لرجل كبير في السن كان قد قدم له خدمة كبرى وكان مخلصاً له! فقرر أن يعينه حاكما على القرية التي يقيم فيها ذلك الرجل الكبير وكان أهل هذه القرية شديدي \”المناكفة\” فاعتذر الرجل له بقوله إنه أمر يحتاج إلى قدرة وإلى معرفة.. وإلى إنسان شاب وأنا كما ترى رجل مسن! ولا اعرف القراءة ولا الكتابة قال له السلطان لقد اتخذت قراري ولا يمكن الرجوع فيه الآن.
ثم أن الأمر بسيط فلكي تقطع دابر \”الافاقين\” والكذابين اتبع الاسلوب التالي:
إذا جاءك من يشكو اسأله هل معك ما يثبت شكواك؟ إن قال لا.. اسأله هل لديك شهود يشهدون بصدقك؟ إن قال لا.. آمر بجلده.. وتنتهي الحكاية وبدأ الرجل يطبق النصيحة.. وشاع أمره في القرية فلم يراجعه إلا كل صاحب حق يملك الأدلة الكافية.. ومن ليس عنده ما يوثق شكواه امتنع عن الشكوى.. فارتاحت القرية ولم تصل إلى السلطان أية قضايا من هناك فأراد \”السلطان\” أن يكرمه ويعرف مدى نجاح التجربة لكي يطبقها على بقية الأمصار. فأرسل إليه أحد رجاله لكي يدعوه.. وقال \”المرسول\” للشيخ العجوز إن \”السلطان\” يدعوك لمقابلته.. فقال له هل لديك \”وثيقة\” بذلك؟ لا إن الأمر لا يحتاج إلى وثيقة! قال له هل لديك شهود بهذا؟ لا إن الأمر أقل من ذلك بكثير!!
فاشار العجوز إلى الجلاد.. أن اجلده!
وهذا يذكرني بحرفية \”الروتين\” الذي يجلد كل شيء.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *