هدنة مع الذات
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. رؤوفة حسن [/COLOR][/ALIGN]
أحيانا تصبح الأحداث فوق القدرة على التحليل والفهم. وعندما تتاح الفرصة للحظة هدوء يكتشف المرء، أن المسألة أقل تعقيدا بكثير. كلما في الأمر هو أن الأحداث قد غمرتنا على نحو لا هدوء فيه، حيث تتالى الأمور واحدة بعد الأخرى دون لحظة سكون للتنفس السليم. هذا الأسبوع كانت حالة التوتر والقلق والغضب والانفعال قد وصلت عندي الى اقصاها، ولم يعد هناك من مفر سوى الهدنة قليلا مع الذات.
والبعد المكاني واحدة من الفرص الجميلة لكي يعود المرء الى ذاته فيهدئها ويبتعد عن الأحداث اليومية المعتادة وينخرط في أحداث جديدة باقل ما يمكن من الانغماس والتفاني. وهكذا الان وانا بعيدة عن صنعاء وعدن وتعز والحديدة وحضرموت، أعاود النظر على نحو يشبه مايحدث مع المسافر الفضائي الذي يرى الأرض من خارجها فيتأمل في قدرة الله وابداعه، ويتأمل في الكون من حوله، ولا تتداخل في قلبه مشاكل تفاصيل بأي حال لأنها أساسا بعيدة عن العين والخاطر وليست جزء من المشهد.
وهكذا تصبح قضايا الهم اليومي بعيدة عن الذهن، فيتسرب خارج المسام كل ذلك التوتر والقلق والشعور السوداوي بالأمور. هنا بعيدا، لم يعد لانطفاءات الكهرباء ولا لسطوة القبائل الغاضبة ولا للمعارك من أهمية الالتجاء الى الصحراء.
قديما أدرك العرب قيمة البعد عن الأحداث اليومية بين الحين والآخر، فكانت الصحراء ملجأ اختلائهم بانفسهم وبعدهم عن ساحة أحداث اليومي والراهن. ولم تكن الصحراء تحتاج سوى الى خبرة وراحلة وقليل من الزاد.
فعل ذلك شعراء العرب ومفكريهم واشخاصهم العاديين. فقد فهموا من وقت مبكر الحاجة للبعد عن الأشياء لإعادة تصحيح النظر اليها. كما يتمرن الباحثين علميا هذا العصر على ان ينظروا للأشياء بموضوعية خارج ذاتهم.
المهم، هاهي المخاوف واوجه القلق تتسرب من مسامي وتخرج في الهواء والماء من حولي فلا تبقي على حالات تغلغلها في خلايا رأسي ونبضات قلبي سوى اليسير الذي يسمح باستعادة ينابيع الحب والعطاء، ومباهج النظر المتأني والتفكير المحايد ومواصلة المودة رغم صعوبات المسير. أشعر بعد مرور أيام قليلة على الاستمرار في هذه الحالة بكثير من هدوء النفس والقدرة على النوم العميق.
ليست هناك كوابيس ولا تصورات عن ان الأمور قد اوشكت على الانهيار وان الواقع صار سوداويا بحيث لم تعد فيه مسحة من امل. هاهي الأحداث في اليمن تبدو لي الآن مثل مراحل قديمة أخرى مررنا بها، لاجديد فيها سوى اختلاف التفاصيل.
كنا مثلا في التسعينات قد مررنا بمرحلة من انطفاءت الكهرباء اسمى بعضنا فيها الوزارة المعنية بوزارة \”طفي\”. وكانت الخدمات متكاملة في بعض المدن، وكانت المناطق الأخرى كحالها اليوم. وكان الناس وسيظلون يبادرون بانفسهم لاتخاذ الحلول.
التصنيف: