[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

أزمة المياه مؤخرًا في جدة حالها كقضايا عامة عديدة تأخرت حلولها طويلاً، لذلك فهي لم تكشف مستورًا جديدًا أو مفاجئًا، بقدر ما عكست واقعًا مزمنًا لم نتخلص منه بعد، وهو تخلف الأداء التنفيذي بخطوات عديدة عن جهود الدولة وخططها وإنفاقها الهائل على مشاريع التنمية والبنية الأساسية. فالخطط الطموحة ما أن تصل مرحلة التنفيذ، سرعان ما تتغير، وكل تقارير ديوان المراقبة العامة توثق سنويًا حجم التأجيل وتعثر التنفيذ وضعف المتابعة في قطاعات عديدة، حتى تحدث أزمة وتتكشف حقائقها فلا نسمع سوى تبريرات ووعود.
بالنسبة لأزمة المياه، لاتزال تصريحات المسؤولين في الوزارة والتحلية والشركة الوطنية للمياه تبشّرنا منذ سنوات، وتصبّرنا بوعود وكلام معسول بأن أزمة المياه في جدة ستنتهي قريبًا إلى غير رجعة، لكن تمضي الشهور والسنوات، والمواعيد (عرقوب) والوعود (في خبر كان) فالعديد من الأحياء تعيش معاناة يومية شديدة، وكان يفترض وجود خطط طوارئ بديلة في فترة الصيانة والأعطال المفاجئة التي فاقمت من أزمة موجودة أساسًا.
ومن المفارقات أن جماعتنا في قطاع مياه التحلية – إنتاجا وتوزيعًا – يصرون على تصريحات عجيبة تغرقنا في التفاصيل وكأن الأسباب خارجة عن إرادتهم تمامًا دون النظر في المشهد المؤلم لمعاناة السكان في أيام دراسة ودوامات عمل ومناخ حار ورطوبة، ومع أننا رضينا مجبرين بالوايت ومشقة الحصول عليه بالدفع الفوري، إلا أن جماعتنا في محطات التوزيع (الأشياب) زادوا من كرمهم للمواطن فاشترطوا حضوره بنفسه وليس المقيم، منعًا للسوق السوداء للمياه، لكنهم بحسن نية عطلوا مصالح المواطنين وأتعبوا كبار سن ومرضى ونساء بالزحام والانتظار المرير، وبدلاً من منع السوق السوداء من مقيمين، تحول بعض المواطنين إلى سماسرة مياه لمقيمين مقابل مبالغ.
وفي خضم الأزمة ظهرت المفاجأة الكبرى باختفاء السائقين المخالفين قبل صدور مهلة التصحيح، فلا نلنا عنب الأشياب ولا بلح السوق السوداء لمياه التحلية، حتى أدركنا قيمة النعمة وشعرنا بالحنين للوايتات التي تستعرض عضلاتها وتزمجر في أنحاء شوارع جدة (خماصًا وبطانًا) ولا تعكس تطور الحياة والتنمية وإمكانات بلادنا، وكأننا فقط استبدلنا (فناطيس الكنداسة) البدائية زمان بوايتات ضخمة، ولا نعرف متى تغطي الشبكة كل أنحاء محافظة جدة.
لقد اشتدت حيرتنا بين التحلية المنتجة التي تخاطبنا بالأعذار ونحن نلوم، وبين الشركة الوطنية التي تبرأت من الأزمة وغسلت يديها منها (بموية صحة) بأنها ليست إلا موزع، وفوق ذلك بشّرتنا بإعادة جدولة (قريبًا) لتوزيع مياه الشبكة على الأحياء بجدة، وتخفيض الانتظار إلى أسبوع لبعض الأحياء، بل أكدت على حق المشترك المتضرر في التقاضي.
كل هذا جميل، لكن لم يخبرونا متى الوعد؟ وما هي الأحياء التي ستنصفها؟ فقبل أيام، قالت الشركة أن الأزمة ستنتهي تمامًا بحلول الثلاثاء القادم، وها نحن في يوم الثلاثاء المقصود، ونخشى أنهم يقصدوا (ثلاثاء) آخر لا نعلم في أي أسبوع أو شهر أو سنة، والمثل يقول \”شمس تطلع خبر يبان\”!
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *