سكينة المشيخص

منذ أيام قرأت استطلاعاً في إحدى الصحف عن الطلاب السعوديين المبتعثين على نفقة الدولة في الخارج ورفضهم العودة مجدداً للسعودية، ورغبتهم في مواصلة حياتهم بحرية بعيداً عن الوطن.
البعض برر عدم عودته بحبيبة ارتبط بها وهي بالتأكيد لا تستطيع العيش في المجتمع السعودي، أو كونه اعتاد حياة الغرب بكل ما فيها من حرية وصخب فدبر لنفسه وظيفة من هنا أو هناك وهكذا، لا استطيع أن أنكر بأن دول الغرب لها جاذبية معينة لكنها لا تخرج من كونها عملية انبهار بمجتمع جديد ومختلف عن المجتمع المحافظ الذي نشأنا فيه.
منذ مدة التقيت بصديقة كانت قد تزوجت من شخص تعرفت عليه لهدف جمعهما معاً وهو الرغبة في مواصلة دراستهما في الخارج حيث كانت تريد إكمال رسالة الماجستير، وهو كذلك ولكن لم يوفق في الحصول على بعثة، وسافرت الفتاة بعد حفل الزفاف إلى أمريكا وانقطعت أخبارها عني نهائياً، وقد التقيتها منذ فترة واستغربت انفصالها عن زوجها في أمريكا، وعلمت منها أنها عادت من أجل إجراء بعض الإجراءات الرسمية التي تتعلق بحصولها على (الجرين كارد) ولم أدخل معها في التفاصيل كثيراً رغم استغرابي من موضوع الجنسية الأمريكية، ويبدو أنها تزوجت بأمريكي بعد الانفصال، وطلبت منها أن نلتقي في اليوم الثاني وفعلت، وكانت الفتاة سعيدة جدا في تجربة الحصول على وطن آخر.
وفي تقديري، من الجميل أن نتأثر بالغرب ولكن فيما هو مفيد، وليس بعملية انسلاخ من الجذور، ربما كانت عملية الضغط في الداخل قوية بحيث شكلت لأبنائنا صدمة أحدثت دوياً وانفجاراً قوياً، وذلك يجعلنا نقفز تلقائياً بالتساؤل عن أسباب هذه المفارقة النفسية والمجتمعية التي حرمتهم من التغيير الذاتي وفق الواقع ومجرياته، وعندما تحدث الشيخ العريفي عن الإحصائية العجيبة التي رصدها عن الشباب السعودي المبتعث إلى الخارج وتعاطيه للكحول ثار الجميع على ما ذكره، ولكن لو وقفنا قليلاً وطرحنا سؤالاً واحداً حول ما إذا كانت هذه الإحصائية حقيقية، من نحمله المسؤولية؟ نظرية \”لا تنسى نصيبك من الدنيا\” ولكن في حدود القيم والمثل أما هكذا فهي مرفوضة بشدة في مجتمعنا لأنك بمجرد كونك تمارس حياتك بشكل طبيعي بعيداً عن القيود التي فرضت عليك سوف تجد أمامك فتوى جاهزة إما أنها تفسقك أو تكفرك أو ربما يزيد الأمر وتصبح هادرة لدمك.
شبابنا الذين في الخارج شعروا لأول مرة بأنه ليس عليهم رقيب سوى الله، فكانوا يستطيعون الضحك بحرية، والمشي بحرية، والنظر بحرية دون أن يأمرهم أحد بعدم الضحك لأنه حرام، وسوء النية الذي يطارد به المحتسبون ويفترضونه أصلاً في السلوك كفيل بأن يحدث المفارقة العجيبة في أول احتكاك مع الخارج.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *