مكانة الإنسان النسبية لمحيطه

Avatar

[COLOR=blue]مهند يونس[/COLOR]

في داخل كل منا إنسان يفكر أو يحلم و آخر ينظر لما حوله باحثًا عن التفاصيل المشتركة و عن الأسباب التي تجعله فردًا من أولئك ، واضعًا في تصوره أن كل من حوله ممن يحبهم أو يكرهم ، ممن لا يطيق وجودهم أو من هو مستعد لانتظارهم بالساعات ، ممن يحاربون إلى جانبه كتفًا بكتف أو من يطلق عليهم حقده محمولًا على رؤوس القذائف ، كل هؤلاء هم شركائه في الوجود و في الإنسانية و في هذا الكوكب و الأهم من ذلك أنهم ينحدرون من سلالة واحدة ، و تحاصره تساؤلات أخرى و تصورات أكثر عمقًا ، كيف وصلنا إلى ما نحن عليه الآن ، ذلك الذي يتحدث اليابانية في أقصى الشرق و ذاك الذي يتحدث الإنجليزية في أقصى الغرب ، و أنا أتحدث العربية أو شاءت الصدفة أن أعيش في منصف المسافة بينهما ، كيف تفرقنا هكذا ، و كيف أعدنا الاتصال ببعضنا البعض بعد غربة فرقتنا عن موطننا في القارة السوداء بعد آلاف السنين ، و هل اختلاف اللغات هذا يشير بأن أسلافنا كان يتكلمون لغة واحدة – اللغة الأم – التي تشعبت منها اللغات الحالية كما تشعب أبناءها في سائر الأرض . و هل كانت الحضارات البعيدة الغير متصلة تؤثر على بعضها بعضًا بشكل متسلسل غير مباشر ، قبل أن تؤثر بشكل مباشر منذ فترة ليست ببعيدة مع تطور سبل المواصلات و الاتصالات . و هل استمرارنا على أرض البسيطة -كجنس بشري – عبر ملايين السنين من التطور ، و عبر حضارات متباعدة ، حتى اللحظة يشير إلى تناغم ما ، و أن تطور هذه الحضارات بمعزل عن بعضها -جغرافيًا- ، لم يكن ليمنع تأثيرها على بعضها البعض أو تحضيرها لما ستبدو عليه مستقبلًا ، حيث سيكون فرصة للتلاقي و التبادل الفكري تارةً و فرص لسيطرة إحداها على مثيلاتها الأضعف تارة ً أخرى .
بإمكاننا إذًا تقسيم التأثير المتبادل إلى نوعين ، لكل منهما نتائج خاصة ، و لكنها تتضافر مجتمعة لتكوين المجتمع لما هو عليه الآن . أما التأثير الأول فهو الرغبة الدائمة في السيطرة و اعتلاء القمة ، دون تفكير ذو أفق واسع أو طويل الأمد بما سينتج عنه تنحية جميع الأطراف و دمجها تحت مظلة مركزية موحدة ، إلا أن هذه الجهود تصب دون علم القائم بها في مصلحة البشرية العامة لآن الجهود ستبقى في خدمة النسل البشري المستمر بينما من ضحوا في سبيل هذه الجهود سيفنون و سيتركون المجال للاحقين ، و هذا التأثير يتوافق نوعًا ما مع مفهوم -اليد الخفية- الذي كان أول من أشار إليه كمصطلح مجازي هو آدم سميث و قصد به أن سعي الفرد نحو مصلحته يجب أن يصب بشكل ما في مصلحة المجتمع .
أما التأثير الثاني فهو تأثير الفوضى الخلاقة ، فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار كل المراحل التي مرت بها مملكة ما و تتبعناها من نشوء و ذروة مرورًا بانتكاسات عدة ثم بالاندثار ، فإنه لا بد أن يكون لهذا التسلسل أثر سابق أدى إليه و أثر لاحق سيؤثر به على الأحداث الأخرى ، حيث لا مجال لتجاهل حتى أحقر العوامل ، كل شيء يتوجب وضعه في كفة الماضي السحيق و في الكفة المقابلة سنحاول توقع ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث المقبلة إلا أننا سنفشل بنسبة معينة أو سنجد بأن حساباتنا قد انتهت بنا إلى نتائج غريبة تمامًا ، و ذلك لآن الإنسان لا يستطيع الإلمام بكل المتغيرات التي تكون معادلة الحياة – و إن كان على علم بكل الثوابت – ، فحتى هذه المتغيرات سرعان ما ستتبدل قيمتها ، و يترتب عليه هامش خطأ – بالنسبة لحساباتنا – ، سيستمر بالازدياد ضمن متوالية هندسية حتى نصل مرحلة لا يمكننا فيها مجاراة الأحداث المقبلة و العجز التام عن تفسيرها ، ومن هذه الأحداث بكل تأكيد ، محاولة فهم من حولنا ، كيف يفكرون و كيف يخططون ، و ما قد تكون نواياهم والخطوة المقبلة لهم ، و كل ذلك بهدف السيطرة عليهم ، فينمو فينا شعور القيادة و حب السيطرة ، و نحاول إثبات جدارتنا لهذه المهمة ، بإيحائنا لمن حولنا بأننا متميزون عنهم و محاولة إقناعهم بطريقة التفكير و التصرف التي يتوجب عليهم سلوكها ، ويعود السبب في تلك النزعة- في رأيي – إلى خوفنا من المتغيرات الكثير التي حولنا ، والتي من يشكل الناس آلات أساسية لتفاعلها على أرض الواقع ، وبمحاولتنا هذه للسيطرة على الناس فإننا نحاول التحكم في هذه المتغيرات وفي منحى سيرها لتصل للنتائج التي نرغب و نرى أنها أفضل وأنسب .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *