مزايا الموتى فى زمن الأحياء
فى زمن موت الضمائر وإنتهاك الأعراض وسلب الحقوق والتميز بحسب الجنسيات وصلنا إلى مرحلة أن نحسد الأموات على راحتهم، أصبحنا نرى تناحر أصحاب المناصب على حساب الضعفاء، ونسىّ أصحاب المبادئ القناعات ليحققوا المكاسب، نبعت المأسى والحروب والمجاعات والكوارث التى تحدث للبشر من مستنقع يسمى بالإرهاب، تنابزنا بالألقاب وأصبحنا نعاير بعضنا البعض على نعم الله التى أنعم علينا بها فى الوقت الذى لا دخل لنا من الأساس بها، فى سطور أكتبها محملة بالألم والحسرة على ما وصل إليه الأحياء من سيشاطرنى تلك الفاجعة المحزنة التى عصفت بإنسانيتنا، جروح غائرة، موت ضمائر، ظلم وحسرة وسلب حقوق دون وجه حق، ما أبشع زمن الأحياء، وصلنا لمرحلة بائسة من الحزن جعلت الموتى أرقى منا وأصحاب مزايا فى كل شيئ، ففى رحلتهم الأخيرة لن يعانوا من حسرات وكسرات كما نعانى، لن يشعروا بالإهانة لأنهم لا يستطيعوا إرتداء ملابس ماركة أو مجوهرات ثمينة فهنا الجميع يرتدى نفس الكفن دون تمييز لأحد، لن يتعرضوا لموقف يقلل من شأنهم أو إنسانيتهم، لن يبادروا لتبرير مواقفهم العفوية النابعة من قلوب طاهرة لا يدركها أصحاب الخبث، لن يوصفوا بأقل ما يستحقوا كما يحدث لنا، لن يختاروا كلماتٍ معسولة لإستغلالنا فالله ينظر للقلوب وعليمٌ بما فى الصدور، فالجميع هنا متساوى لا مزايا لأحد على أحد سوىّ بالتقوى والعمل الصالح الذى تركوه خلفهم فى الدنيا، لا تسلط، لا إستبداد، لا إنتصار للباطل على الحق، لا معنى للخسارة هنا سوى الخسارة فى ميزان الحسنات بعيداً عن بنوك الدنيا الزائلة، لن يتعرض الموتى لكلمات الإهانة والخديعة والخيانة والكذب التى نتعرض نحن لها، أصبحوا الأن خاليّين تماماً من الأمراض والعلل وأمراض النفوس التى تحسد وتقهر وتخطط وتدبر لتوقع الأخرين فى المصائب، لن يستطيع الأحياء تقديم شيئ أفضل مما قدموه مهما سعوا وتناحروا وتضاعفت نفوذهم، فالتقدير فى الدنيا لا ميزان له فى الأخرة ولا يشترى بالأموال مثلهم كمثل من يشرب من مياه البحر المالحة التى كلما شرب منها لا يرتوى عطشه، عكس الأموات الذين عاشوا بيننا بالأمس بقلوبٍ مؤمنة حقيقية، فهم الأن أصبح لكل واحدٍ منهم تقدير عند الخالق عز وجل دون نقصان لحق أحد، فيا أيها الأحياء الذين ينظرون لمزايا الموت إرجعوا إلى إنسانيتكم قبل أن يفوت الأوان وإسعوا جاهدين كى تصحى ضمائركم الغائبة، قال تعالى (( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ))
التصنيف: