ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]
حديث سهرة الأمس مع جيران الحي بمدريد كان مميزا لتناوله قضية تدني الأخلاق، وأنها السبب في فوضى أسواق المال، فانعدام الأخلاق والضمير لدى العديد من المتحكمين في دورة رأس المال في نيويورك هو وراء لعبة الرهن العقاري التي أشركوا فيها بنوكا خارج الولايات المتحدة فحصل ما حصل، ناهيك عن أخلاق المتحكمين في لعبة أسواق الأسهم التي امتصت ـ وعلى مستوى العالم ـ مدخرات شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود الذين خدعهم سراب اللون الأخضر في البورصة فسقطوا في سبخة اللون الأحمر، وفي الحالتين انكشف المستور، فهاهم هوامير دورة رأس المال العالمي يصولون ويجولون في عواصم البلدان المنتجة للبترول لشفط ما تبقى في خزائنها من احتياط نقدي ليوفروا لشعوبهم الرفاهية على حساب تعاسة وشقاء الشعوب النامية التي تواجه الكثير من العقبات أمام تقدمها ومنها الأمية والفقر والغزو والاحتلال .
والد رشا يرى أن العلم هو سبيل الأخلاق، وقد أرسل الله الرسل ليهدوا الناس بما أوحي أليهم من كتب منها التوراة والإنجيل والقرآن، وأن مناهج التعليم في معظم البلدان وخاصة البلدان النامية بما فيها الغنية بمواردها المالية لا تزال متأخرة عن متطلبات القرن الحادي والعشرين العلمية، والشكوى مستمرة من تراجع الإبداع عند المعلمين والمتعلمين في البلدان المتقدمة، والأمية في دول العالم الثالث لا تزال تقف عائقا فتؤصل ظاهرة التخلف وما يتبعها من توسع شريحة الفقر ومن هم تحت سقف الفقر،وحكوماتها تصرف بسخاء على التسلح وتقتر على التعليم، أضف إلى ذلك أن معظم ما تعتمده تلك الدول من أموال للبحث العلمي – على ضآلتها – تذهب رواتب وإيجار مكاتب، وأن القطاع الخاص ما زال مقصرا في دعم الأبحاث العلمية، تدخلت رشا معترضة على ما ذكره والدها من ضآلة ما تعتمده الدول العربية للبحث العلمي، فقد تابعت على الفضائيات العربية الكثير من البرامج والمقابلات والندوات التي تتحدث عن التعليم وعن الأبحاث العلمية فرد عليها بأن ما ترصده الدول العربية القادرة هو بحدود واحد بالمائة من الناتج القومي، في وقت صرفت فيه إسرائيل خلال عام 2005 مبلغ 3.8 مليار دولار، أي ثلاثين بالمائة من ميزانيتها الحكومية. وهذا ما أدى إلى قلة عدد الباحثين والمبدعين في تلك البلدان، بدلالة أن معظم الجوائز التي تقدمها مؤسساتها الإنسانية تذهب لعلماء من دول أخرى، وهذه دلالة على جمود أو تقصير التعليم عندهم عن مواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين، وأضاف موضحا بأن إسرائيل تنفق بسخاء على التعليم والبحث العلمي لتبقي تفوقها على كافة الدول العربية مجتمعة، فالإحصائيات المقارنة للبحث العلمي وهي تأخذ بنسبة عدد السكان تشير إلى أن لدى إسرائيل عشرة أضعاف المتعلمين في العالم العربي وتنفق ثلاثين ضعفا على البحوث والدراسات التي يتجاوز عددها سبعون ضعفا عن أبحاث جيرانها العرب، أما تسجيل براءات الاختراع فالنسبة ألف لواحد. عقبت والدة رشا بقولها أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في معظم البلدان العربية وغياب الطبقة الوسطى على حساب الطبقة الفقيرة ومن هم تحت الفقر قد حرم المواطن العربي الفقير من التعلم وحرم المتعلم من القراءة الجادة والمفيدة لكتب بلغته العربية، وتقريبا انعدمت عندهم القراءة باللغات الأجنبية، فإحصائيات اليونسكو تشير إلى أن نصيب القراءة السنوي هو 80 عربيا لكتاب واحد، في حين أن الفرد الأوربي يقرأ 35 كتابا والإسرائيلي 40 كتابا، أما ما يترجم للعربية فهو 4.4 كتاب لكل مليون عربي، يقابل ذلك 920 كتاب لكل مليون أسباني، وما دام العلم والتعليم على هذا الحال فإن حال أهلنا في فلسطين سيبقى على ما هو عليه من احتلال و حصار وضيق ما في اليد إلى أن يعيد العرب حساباتهم ويوجهوا ثرواتهم للتعليم والبحث العلمي فيحققوا توازن العلم بينهم و بين المحتل المتشبث بالأرض والسارق للتراث والمشوه للتاريخ.
ختمت رشا الدردشة بابتسامة أمل وتفاؤل، فهي تتابع جهود الملك عبد الله بن عبد العزيز في لقاء رجال العلم والدين حول مائدة حوار الأديان، وتقول لا غرابة في ذلك، فهو خادم الحرمين الشريفين وملتزم بتعاليم القرآن الكريم الذي كانت أول كلماته \” اقرأ\”، وملتزم كذلك بهدي من بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق، وهذا الالتزام سيؤدي بالضرورة إلى اعتماد نسبة محترمة من ادخار المملكة لصالح العلم والتعليم والتوسع في التخصصات العلمية التي تقود إلى نهضة علمية اقتصادية تؤمن للأجيال القادمة مستقبلا واعدا، وتنجب علماء وعباقرة يشاركون بعون الله في حصد عدد من جوائز نوبل في العلوم والاختراعات. وافترقنا على وعد بلقاء قادم.
التصنيف: