كان من الممكن جدا
كان من الممكن أن يكون الشيعي سنياً بالولادة ، وكذلك السني ..وكان من الممكن أن يكون أيضاً المسلم غير مسلم ، وغير المسلم مسلماً ، والأبيض أسود والأسود أبيض ، والقبلي غير قبلي ، وغير القبلي قبلياً ، وكل ذلك منذ الولادة ، لأنها أقدار الله سبحانه وسننه وتصريفاته في خلقه ، يخلق من يشاء ذكراً ويجعل من يشاء أنثى ، وينشئ من يشاء على مذهب ويوجد من يشاء على مذهب آخر ، ولا تملك لا أنت ولا هو ولا أنا سوى التسليم لأمره وقضائه سبحانه ، كذلك الأمر ينطبق على الإيمان والكفر .. العرق والجنس .. اللغة والهوية .. الوطن والجنسية .. اسمك ورقم سجلك المدني .. العصر والتوقيت الذي ولدت فيه … حتى أبويك وإخوتك وجيرانك .. أتيت وهم أبويك وإخوتك وجيرانك . فإذا تأملت ذلك وأدركته أدركت كذلك أنه من الممكن أن تكون كل حياتك مقلوبة رأساً على عقب !! بحيث تصبح مألوفاتك ..عاداتك .. ثقافتك التي تختمر في ذاتك ووعيك ومظهرك هي ذاتها تلك التي تبغضها عند غيرك ولا يخالجك ذرة من شك في وجوب استهجانها وإنكارها ، فهل تنكر أنه كان بمقدور الله سبحانه أن يجعلك غير ما أنت عليه من الإيمان واليقين والطمأنينة أو الجمال والغنى والقوة ، أو على غير ما عرفك الناس به من القدرة والتمكين والحكمة ، لقد كان من الممكن جداً أن يجعلك ذلك الشخص الذي تكرهه ، أو في مكان ذلك الضعيف الذي أنت الآن تزدريه وتسخر منه وتضطهده ، أو مع أولئك الذين يصلون في مسجدهم وأنت بين ظهرانيهم تنوي تفجيرهم وقتلهم ، أو مكان ذلك العسكري الذي تترصده وتحاول قتله ، أو يجعلك أنثى كتلك الفتاة التي تحاول لف حبائلك الغادرة على عنقها لابتزازها ، فإن فكرت ملياً في تلك الاحتمالات الوجودية التي هي من صميم قدرة الله وحده ولا شريك له في تصريفها إلا هو سبحانه أدركت بعدها أنك غير مؤهل لمحاسبة البشر ومحاكمتهم على ما كُتب عليهم وقُدر لهم رغم أنوفهم ، إلا إن كنت ترى أن ما يقدره الله تعالى في خلقه من تباين الألوان والأعراق والأديان والمذاهب خطأ وأنك بما تحاول فرضه عليهم وإكراههم عليه تعتقد أنك تصححه .. أعني بالقهر والاضطهاد والسبي وسفك الدم !! تخيل قليلاً .. أنك مكان من تحاسبه لأمر ولد عليه ،أي أنك المحاصر وهو الذي يحاصرك أو المضطهد وهو الذي يضطهدك أو المظلوم وهو الظالم لك أو الضعيف وهو المتسلط عليك ، فهل توافقه وتؤيده وتعطيه المبرر وتجد له العذر في كل يفعله بك ويعذبك به ، هل توافقه على أنك مذنب وأن ذنبك هو اختلافك معه شكلاً وديناً وعرقاً ؟ إذن .. فلتتوقف أنت وهو .. ولأتوقف أنا ..وليتوقف الجميع عن إيذاء بعضهم بعضاً..فقد آن الأوان للتسليم والسلم والسلام .
@ad_alshihri
[email protected]
التصنيف: