قوة الثقافة
[COLOR=blue]السعد المنهالي [/COLOR]
لن أحاجج ما ذكره الشاعر الراحل نزار قباني بأن هناك ثقافة واحدة هي «ثقافة القوة». التي فسرها بقوله: «حين أكون قوياً، يحترم الناس ثقافتي. وحين أكون ضعيفاً، أسقط أنا، وتسقط ثقافتي معي..» ولن أعلن دعمي المطلق لما استمر المفكر الراحل إدوارد سعيد في طرحه حول «قوة الثقافة» التي يراها قادرة على غلبة «ثقافة القوة». فبين القولين بحار تتسع وتضيق لتكون جداول قررت أن تصب في عاصمتنا فبانت أسمى تجليات هذا التدفق في أيام معرض أبوظبي للكتاب. هنا حيث القوة والثقافة تحولتا إلى معنى واحد يسمو بالإنسان في هذا المكان. معنى يقارب بين النفوس المختلفة فيآلف بينها، فتصبح الذات قابلة للتجاور مع الذات الأخرى وبالتالي التعايش بدون صدام أو رغبة في الهيمنة، فتتحول المساحات التي كانت دائما مناطق عداء بين المختلفين إلى مساحات للاندهاش والقبول والالتقاء.
أن تكون مثقفاً مطلعاً وصاحب رؤى، هذا أمر، وأن تكون فاعلاً ثقافياً منتجاً هو أمر آخر. أما أن يكون لك رأي، وتقرر النشر والترجمة والترويج للفكر الإنساني الآخر الذي لا يشبهك على اختلاف مشاربه، معلناً عن ذلك، وجامعاً للمختلفين في مكان واحد هو أمر آخر تماماً، هو فعل ثقافي قوي مكتمل العناصر مع سبق الإصرار والترصد، هو «فكر» بحد ذاته، فأن تكون ممثلاً ونموذجاً لفكرك وثقافتك ومحققاً لنجاحات ملفتة وجاذبة للآخرين، فأنت هنا تحقق فعلا ثقافيا، وفي رأيي هو الفعل الثقافي النموذجي الذي سيحقق قوة الثقافة وسيمكنك من ثقافة القوة، هذا تماما ما أجده الآن في العاصمة أبوظبي التي بدت خلال هذا الأسبوع مصبا لبحار الثقافة العالمية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، وعبر فعاليات هامة ابتداءً بجائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة الرواية العربية ومعرض الكتاب الدولي وليس انتهاءً ببرامج لمؤسسات وطنية للنشر والترجمة لا عدد لها.
بعض الكتاب والمبدعين لا يسعون من خلال كتاباتهم سوى للتنفيس عن مكنوناتهم عبر الكتابة وأنهم غير مشغولين بإحداث تغيير، وذلك في ردهم على بعض الأسئلة، عن الذي يتوقعه الكاتب من تأثير على القارئ وعلى محيطه من خلال ما يقدمه من أعمال. ويبدو الرد دفاعيا أكثر من كونه حقيقيا، وإن كان فيه من الحقيقة، غير أنها ليست كل الحقيقة. إذ أن التعبير عن مكنون النفس من خلال الكتابة هو المحرك الأول لمسك القلم والشروع في الخط، ولكن فعل النشر والحضور في الوسط والرد والاستجابة للدعوات، هو دليل أكيد على أن هدف التأثير على القراء وعلى المحيط، هو فعل مقصود، وهو فعل حقيقي، سنختلف بشأنه فقط حول الوقت الذي قرر الكاتب ارتكابه، سواء قبل الشروع في الكتابة، أو خلالها أو بعدها.
التصنيف: