في المعارضة السورية وطلاسمها

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أحمد الشامي[/COLOR][/ALIGN]

المتابع للحراك الثوري السوري لا يسعه سوى ملاحظة مدى مبالغة المعارضة السورية في \”وطنيتها\” و تماهي البعض من وجوهها مع النظام الذي يعارضونه، بحجة الوطنية و رفض التدخل الخارجي بأي شكل كان، في حين تبدو هذه المعارضة متخلفة عن حركة الشارع و عن تضحياته الجليلة.
انطلقت الثورة في منتصف مارس آذار، و حتى هذه الساعة، لا يوجد رمز، ولا وجوه معروفة و متفق عليها لهذه الانتفاضة! هذا يعني انعدام الأفق السياسي أمام المنتفضين، كأن المعارضة التي \”تعايشت\” مع النظام أربعة عقود، يعزّ عليها أن تتركه لمصيره المشؤوم. بعض المعارضين يتحدث، كالحالم، برمزية مفرطة \”منتظراً أن يستعيد النظام عقله أو أن يتمكن العقلاء من أهل السلطة من استدراك الأمور\”. إذا كان هذا الخطاب الطوباوي مفهوماً من قبل من هم مُهددون في الداخل، فإنه يبدو سريالياً حين ينطق به من هم في الخارج.
أول مهمات من يتنطع ليكون معارضاً أن يكون لديه \”ما يعرضه\” أمام الشعب الثائر وأن يدرك مع أي نظام يتعامل. حينها قد يستنتج المعارض أن نظاماً يقتل شعبه منذ عقود، يبيع الأوطان و يتفاهم مع العدو ومع الغرباء في حين يرفض سماع نداءات استغاثة شعبه المذبوح يومياً منذ خمسة شهور ونيف، هو نظام لا عقلاء فيه، و لا خير يرتجى منه.
عجز المعارضة السورية عن الاتفاق على هيئة تمثيلية أو تنفيذية بعد اندلاع الثورة بخمسة شهور يدل على عجز هذه المعارضة عن الارتقاء إلى مستوى التطلعات والتضحيات التي يقدمها الشعب السوري. الثائرون في الشوارع بدأ صبرهم ينفد، فقام بعضهم بنشر لائحة أسماء معارضين شرفاء، واضعين المعارضة أمام مسؤولياتها و مظهرين عجزها عن الارتقاء إلى مستوى الحدث. قامت دنيا البعض ولم تقعد و لسان حالهم يقول: \” هذه لعمري مؤامرة وراءها مندسون، هدفهم مصادرة قرار الداخل\”.
إن كان مفهوماً \”تنصل\” بعض معارضي الداخل من هذه القائمة خوفاً على حياتهم، فليس مفهوماً تلكؤ معارضي الخارج في التنطع لحمل عبء تمثيل الثورة، إلا، اللهم، إن كانوا يخافون بطش النظام بهم في المهاجر، أو بطشه بأهلهم في الداخل. ليس صدفة اغتيال شقيق المعارض \”هيثم المناع\” برصاصة في الفم و أخذ أشقاء الآخرين و أطفالهم رهائن.
معارضو الداخل ينقسمون، عموماً، لقسمين، معارضة \”حبّابة\” تتحدث بالرموز و \”تتساكن\” مع النظام مكرهة، وأخرى اختارت التواري عن الأنظار خوف الاغتيال أو التعذيب.
نشر أسماء معارضي الداخل يعني تعريضهم لخطر الموت و يفرض عليهم أما التنصل علناً من أي دور قيادي، أو مواصلة الاختباء انتظارا أوضاع أفضل، أو الاثنين معاً. يبقى أمام هؤلاء خيار آخر هو اللجوء إلى سفارات الدول، التي ستكون ملزمة حينها بحماية أرواحهم و بتسهيل خروجهم من سوريا إن أرادوا. هكذا فعل المنتفضون من دول أوروبا الشرقية وهو ما ساهم في انهيار أنظمة الشمولية في حلف وارسو السابق.
يبقى أن نتساءل إن كانت المعارضة السورية تريد ،فعلا لا قولاً، إسقاط النظام والمساهمة في بناء دولة القانون و إن كانت مستعدة لتحمل مسؤولياتها أمام شعبها، أم أنها تفضل البكاء على شاشات التلفاز و الاكتفاء \”بالردح\” دون الانتقال إلى مرحلة الفعل و دون أن تقدم نظرة متكاملة لمستقبل سوريا.
على سبيل المثال، لا أحد يعرف موقف هذه المعارضة من العروبة، المفروضة قسراً منذ 1958 ولا من مستقبل التعاون الإقليمي ومن العلاقة مع الجوار. ما موقف المعارضة من الغرب و من إسرائيل. أهم من كل ذلك ما موقف هذه المعارضة من المسألة الطائفية، من دولة القانون بمن فيهم غير العربي و غير المسلم ؟
حتى الآن، \”يحتكر\” النطق بلسان الثورة السورية المباركة صفحة على الفيسبوك، مجهولة المصدر و الدوافع، لا أحد يعلم من يقرر نشر موادها و لا تسميات جمعها.
على كثرة الجمع منذ بداية الثورة، من جمعة \”الحرائر\” إلى جمعة \”صالح العلي\” و حتى \”حماة الديار\” الذين لا يحمون سوى النظام. مع ذلك، لم يجد القائمون على هذه الصفحة متسعا لجمعة باسم سيد الثورة السورية الكبرى دون منازع، سلطان باشا الأطرش! هل هذا لتجنب عبارته الشهيرة \”الدين لله والوطن للجميع\”. هذه العبارة التي أسست لاستقلال ووحدة الوطن السوري، والتي تليق بأن تكون شعاراً لسوريا المستقبل. هذه العبارة تغيب تماماً عن شعارات الثورة لسبب نجهله. أتكون الثورة السورية ذات بعد طائفي أن يتغير الطاغية و يبقى الطغيان؟
حراك المعارضة السورية يبدو محكوماً برفض التدخل الخارجي، و هو لعمري هدف نبيل في حد ذاته. لكن، لماذا إذاً نشر فظائع النظام على الانترنت و التلفاز؟ هل من يضحي بحياته لإيصال ما يحدث في سوريا للعالم الخارجي، يخاطر بنفسه فقط \”لتسويد وجه\” النظام؟ ماذا كان سيفعل النظام إن كان متأكداً أن لا تدخل خارجي ممكن و أن لا شهود على جرائمه؟ الحمويون لديهم خبرة جيدة في هذا الموضوع.
ثم أي نظام سيحل محل السلطة ؟ المعارضة ترفض التدخل الخارجي و لو لحماية المدنيين الذين يصرخون طالبين النجدة و لا تتفق على الالتفاف حول رموز وطنية لا غبار عليها، مع وفرة هذه الرموز و مناقبيتها، في النهاية تختار هذه المعارضة أن تجتمع حصراً في تركيا! هذه التصرفات تبدو غير مفهومة. لم لا تجتمع المعارضة في الأردن أو تونس مثلاً؟ إن لم تحصل رموزها على تأشيرات لأوروبا أو خشيت سطوة أصدقاء النظام في لبنان.
\”كتائب النظام \” تتصرف كجيش احتلال بكل معنى الكلمة، حتى السيدة كلينتون تطالب \”بحق تقرير المصير للسورين\” أي بأكثر مما يطلب العالم للفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، ثم يأتي معارضون \”لطفاء\” ليقترحوا التقاء المعارضين في قلب دمشق، في 16 أيلول، أي بعد انتهاء المهلة الروسية للنظام بأسبوع…أي معارض جدي \”غير انتحاري\” سيجرؤ على التصريح بمكنونات نفسه و يطلب من الرئيس التنحي علناً أو سينادي بمحاكمة الرئيس، ناهيك بإعدامه، و هو في ظل حراب الجند \”وبحراسة الشبيحة\”. هل تكون هذه مناورة من المعارضة \”الحبّابة\” لمنح مهلة جديدة للنظام لكي يعيد إنتاج نفسه بشكل جديد و ملطف. المحاولة السابقة لاجتماع المعارضة في القابون شمال دمشق كلفت السوريين خمسة عشر شهيداً، فكم روحاً بريئة ستزهق، هذه المرة، لمجرد محاولة الاجتماع في الداخل.
من جهة أخرى، المعارضة الرافضة لأي تدخل خارجي لا تجد غضاضة في تثمين الموقف التركي \”الداعم للشعب السوري\” كأن اردوغان من مواليد حمص أو حماة وكأن لا اهداف إقليمية تركية في الأراضي و المياه السورية.
معارضون آخرون يستعيرون اللغة الخشبية للنظام ، وما دامت الثورة السورية تطالب بالديمقراطية فلم لا تبدأ بتطبيقها منذ الآن وتطرح السؤال على صفحتها في الانترنت؟ لماذا لا تستفتي الشعب السوري مباشرة في المواضيع التي تهمه، مثل المجلس الوطني، الحماية الدولية، محاكمة الرئيس و غيرها، لكي يقول الشعب كلمته. صفحة الثورة السورية التي تغطي مشكورة كل المظاهرات ضد النظام، حتى في تورنتو، ألا تقدر أن تستفتي متابعيها في هذه المسائل التي تخصهم؟
الأمل، كل الأمل، أن لا يأتي يوم نقول فيه \”أطهر ثورة لأشجع الشعوب، و أردأ معارضة\”.
* كاتب سوري

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *