فقيد الدبلوماسية العربية والاسلامية

طلال محمد نور عطار

تعرفت على الزميل السفير ابراهيم صالح بكر في ديوان وزارة الخارجية في مدينة جدة (المقر الرئيسي) انذاك، وتوطدت العلاقات مع بعضنا البعض مع الوقت عبر تعدد اللقاءات الخارجية، اللقاء الاول: في اجتماعات مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز (العاشر) الذي عقد في مدينة اكرا بجمهورية غانا عام (1412هـ/ 1992م) اذ كان يشغل – انذاك – مساعد الامين العام لمنظمة (المؤتمر) للشؤون السياسية وكنت نائباً لرئيس وفد المملكة الى المؤتمر وبعبارة ادق ممثلا للوفد في كل اجتماعات المؤتمر الوزاري، وكبار المسؤولين (وزراء الخارجية) وفي اللجان السياسية والاقتصادية والصياغة، فكنا نلتقي بشكل دائم نتجاذب اطراف الحديث في مختلف القضايا المطروحة على مدار البحث في المؤتمر، ولاحظت ان الرجل يكبر في معرفتي بمواقف حكومة بلادي في القضايا العربية والاسلامية والدولية لدرجة يطلب بصفة دائمة الالتقاء مساء في بهو الفندق لتبادل الآراء خاصة وانه كان يدغدغ مشاعري بعبارة: انت – ما شاء الله – لا تزال شاباً وكتابك “مواقف المملكة العربية السعودية من القضايا العالمية في هيئة الامم المتحدة) في مكتبي اعود اليه بين الحين والآخر، فهو مرجع في موضوعه ويحتاجه كل من يعمل في المنظمات الاقليمية والدولية، وكل من له علاقة بالشأن الخارجي.
وفي هذا المؤتمر كانت احدى الدول الشقيقة تطلب مني شخصياً بالسير في فلكها في كل ما يطلب منها في قضايا عربية وغير عربية حتى في استمرار بقاء حركة عدم الانحياز كمنظمة اقليمية تضم في عضويتها اكثر من مائة وخمسين دولة او الغائها لانتهاء دورها على الساحة الدولية كما يزعم!
اشرت لرئيس وفد هذه الدولة الشقيقة الذي كان يمثل اعلى مستوى وزير خارجيتها لا تتفق جملة وتفصيلا مع ما تطرحونه من وجهات نظر لا تتفق مع نراه – نحن – كممثلين لبلدنا – اصغى ابو سامي – السفير ابراهيم – رحمه الله رحمة واسعة – بحرص شديد ولاحظ ما ابداه (وزير الخارجية) من انزعاج تام خاصة عندما اشرت بأهمية وجود الحركة وعدم تغير مسماها وانما تغير آلية عقد مؤتمراتها سواء على المستوى الوزاري او على مستوى القمة بالدعوة الى انشاء مقر دائم لها رغم ان احد زعمائها كان من المؤسسين لها واشار بانه حاول اقناع رئيس الوفد بوجهة نظر بلاده، فرفض، وطالبه مناقشة اي موضوع يتعلق بالحركة بشخصي.
اعجب ابو سامي (السفير ابراهيم) بهذا الموقف الصلب، واقتنع بوجهة نظري وبما ابديته من مبررات وعندما التقى برئيس الوفد (السفير سمير صبحي الشهابي) في بهو الفندق، قال له بالحرف الواحد: انا – يا اخ سمير – ممنون لكم بمن يمثلكم في كل اجتماعات المؤتمر، وعرفتم بوضع من يمثل بلدنا بحق وحقيق!
وفي اخر جلسة للمؤتمر طلب مني – رحمه الله – ان انقل خدماتي الى منظمة المؤتمر الاسلامي كمدير عام للمؤتمرات، فشكرته شكرا جزيلاً على هذه الاريحية، واضاف: الوظيفة شاغرة والمنظمة في حاجة ماسة الى مثلك، وانا في انتظارك!
وبعد مضي بضع شهور على لقائنا قابلني في ديوان وزارة الخارجية في مدينة الرياض – وانا كنت اشغل مدير لمكتب رئيس المنظمات الدولية والمؤتمرات، قائلاً: فاتحت (عبدالرحمن) يقصد وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية (الشيخ عبدالرحمن امين منصوري) فرفض رفضاً باتاً ناقلاً بالحرف الواحد ما قاله المنصوري له: عندك السياسية كلها اختار من تريده، فنحن ما صدقنا نحصل على مثله في الوزارة فهو ملم الماماً جيداً بالقضايا السياسية اقليميا ودوليا الى جانب تخصصه في الاقتصاد والادارة والعلوم السياسية! ويجيد اللغة الانجليزية نطقاً وكتابة مع المام بالفرنسية والاسبانية.
واللقاء الثاني: في اعقاب انعقاد مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الاسلامي في دورته الثالثة والعشرين الذي عقد في كوناكري بجمهورية غينيا في (1415هـ / 1995م) – كنتب اعمل كسفير – رئيس بعثة سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية غينيا ومشرفاً على وفد المملكة الى المؤتمر – عانقني – رحمه الله – عناقاً اخوياً كريماً فرحاص مسروراً بهذا اللقاء قائلاً: لعله يكون فاصلاً لعملك معي في المنظمة!
فشكرته على ما تفضل به من تجديد عرض النقل الى منظمة المؤتمر الاسلامي على الوظيفة ذاتها، وطلبت منه ان يمهلني بعض الوقت!
وفي زيارته لمقر سكني في دار سكن السفير في مدينة كوناكري بجمهورية غينيا ابان اقامتي حفل عشاء على شرف معالي الاخ عبدالرحمن امين منصوري والوفد المرافق له فاتح معاليه على الموضوع ذاته مجددا له الطلب فبادرته لماذا تلح في الطلب! فقد سبق ان ذكرت لك انا في حاجة ماسة اليه في الوقت الحاضر، اختر من شئت في السياسية عندك عشرة ادارات!
اجابه – يرحمه الله – بهدوء: يا اخ عبدالرحمن وجدت فيه المواصفات التي كنت ابحث عنها منذ تعييني في المنظمة وبصراحة تامة لم اجد افضل منه فهو جمع بين شيئين اساسيين المعرفة والخبرة الى جانب الجدية في العمل والالتزام.
نظرا اليه نظرة حادة! فهمها – يرحمه الله – لا تجادل، فالرجل نحتاجه في الوزارة اكثر من احتياجك له! يكلف – يقصدني – بحضور لجان ويشارك في مؤتمرات تعليمية ودولية!
وفي اللقاء الثالث (الاخير) في مكتبي بمقر عملي في سفارة خادم الحرمين الشريفين في مدينة كوناكري لفت نظره بعض مؤلفاتي في العلاقات الدولية، ومن ضمنها مؤلفي بعنوان: “حركة عدم الانحياز بين النظرية والتطبيق” الموضوعة في الدولاب خلفي، فطلب عنوان المكتبة لكي يرغب الاحتفاظ بنسخة منه في مكتبه، ومؤلف الآخر: “هيئة المم المتحدة منذ النشأة وحتى اليوم” فقدمت له الكتابان كهدية للذكرى، فشكرني على اهداء نسخة من كل كتاب، وطالب بالاستمرار في تقديم ما يفيد القارئ، فهي تعد مراجع يندر وجودها في المكتبات او من كتب بموضوعية عنها.
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته والهم اهله وذويه وزملاءه الصبر والسلوان، “انا لله وانا اليه راجعون”.
تليفاكس: 0126780952

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *