ليس الغريب غريب الدار فقط ، هناك أنواع أخرى من الغربة أهمها غربة النفس ، حين تكتمل أركان الغربة الموحشة بين فراق الأهل والأحباب نصبح فى قَوقعه وعُزله عن العالم الخارجى فالغربة ليست غربة وطن بل غربة شخص بأكمله ، كم شاهدنا نماذج تغيرت بشكل كبير فى الغربة ولكن هل هذا التغير الذى دائماً ما يكون للأسوء عُذراً لصاحبه أم أنه “شماعة” يُعلق عليها أخطاءه !! لا أعلم السبب الحقيقى للتغيير الذى يحدث للشخص فى غُربتِه لكن قد يكون هناك بعض العوامل التى ساعدت على ظهور ذلك منها الإحتياج المادى الذى يحول الشخص إلى أخر يسعىّ فقط للوصول إلى هدفه حتى ولو على حساب الأخرين أو أن هناك بعض الإمتيازات التى ستوفر مزيداً من الراحة فى العمل للشخص مما يضطره للغوص فى بحر النفاق لمن هم أعلى سُلطهٍ منه أو أصحابِ القرار ، بالنظر للأمر بشكل أكثر واقعية نجد أن نسبة كبيرة جداً ممن قرروا ترك الأهل والأحباب ومشاركة الأخرين أحداث حياتهِم على مواقع التواصل الإجتماعى فقط وقعوا فى بئر الوساطة والأسماء المميزة داخل الأوراق الحكومية التى لها كل الحق فى نيل الوظائف والتعليم وكل فُرص الحياة ، فلو كان الشخص وجد عوامل تؤهله للعيش بحياة آدمية فى بلاده لما قرر ترك إنسانيته والسفر بعيداً ذلك السفر الذى سلب النفس أبسط حقوقها كمشاركة الأفراح والأحزان لمن هم أقرب إليه من نفسه ، لا تستهين بإنسان يشاركك لحظة سعيدة أو تعسية بضغطة زر فقط فهو مسلوب من كامل حقوقه الإنسانية فى ظل ظروف مُوجعه ومُوحِشه جعلت منه شخص يحمل لقب مُغترب رُغماً عنه فلو كان الأمر بيده لما إختار الشقاء ولكنه لا يملك رفاهية القرار فإضطر للرضوخ أمام وحدته وغُربته وقرر الفرار من جحيم البطالة والفقر الذى يدغدغ العظام فى بلاده ، ما أقبح الفقر حين يصيب الإنسان فى مقتل ليجعله عاجزاً تماماً عن أى تقدم فما فائدة الأفكار إن لو تتوفر لها الدعم المناسب وهنا النقطة الفاصلة بين البقاء أو الذهاب ، وبين الإغتراب وحلم العودة يظل شبح الفقر والبطالة المنتظرة فى البلاد هو ما يؤرق صفو ذلك التعيس الذى يبتسم إبتسامة خالية تماماً من أى مشاعر ، فهو لم يعد الشخص الذى كان بالأمس بل تشكلت ملامحه إلى شخصٌ أخر أكثر حُزناً ، أكثر عُنفاً ، أكثر فاقداً للمشاعر الإنسانية ، فإنظر قبل الحكم على المغتربين على الجانب الأخر أى الجانب الفارغ من الكوب

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *