عندما كنا نعشق المطر ولا نخشاه
استيقظت على همسات والدتي تناديني , هاشم قوم شوف المطرة تنزل ,,, وما أن صعدت إلى الروشان حتى شعرت بالهواء البارد يداعب مشاعري بفرحة كبيرة ممزوجة برذاذ المطر النقي وبرائحة الرواشين والحجر المنقبي وبصفاء فجر يوم الخميس أول أيام إجازة نهائية الأسبوع ,,, كان المنظر بغاية الجمال والروعة وماهي إلا لحظات حتى شعرت بأختي التي تصغرني بعامان تزاحمني بكل حنان بضحكات وهتافات يحدونا الشغف والفضول باستقبال هذا الضيف الذي طال انتظاره بمحبة ولهفة بلا خوف ووجل , وها نحن قد أحضرنا مجموعة من الأكواب المعدنية لنجمع فيها المطر لنشربه في الحال غير مبالين بتلوث الهواء , لان الهواء كان نقيا بنقاء تلك الأوقات الجميلة ,,, و ترانا ونحن ننشد بفرحة كبيرة مرحبين بهذا الضيف العزيز ,,, يامطــرة حُطـي حطـّي .. على قريعـة بنت اختي .. بنت اختي جـابت ولــد .. سـمّـتو عـبدالصــــــمـد ..عبدالصمد يبغـا الحليب .. والحـلــيـب في البقـــرة ..والبقـرة تبغـا الحشـيش ..والحشـيش في الجــبـل ..والجـبـل يبغــا المطــر ..والمطـــرة عـنــد ربّـي .. يامطــرة حُطـي حطـّي ,,, وفي تلك اللحظة لمحت والدتي ترفع يدها إلى السماء تدعوا الله سبحانه وتعالى وتقول لنا ادعوا ربنا ,, الدعوة مستجابة عند نزول المطر ,,, وبكل براءة استجبنا لوالدتي ورفعنا أيدينا إلى السماء ندعوه سبحانه وتعالى بفرحة غامرة وبشكر عميق لأنه أكرمنا بهذه النعمة الكبيرة “المطر” ,,, وهذا والدي قد شاركنا الفرحة واصطف معنا لمشاهدة هذا الضيف العزيز ,,, وقد همس لوالدتي بتجهيز الفطور وها هو يناولني إلا فيه النصيب لشراء الفول وعيش الحب من عم بابصيل و القشطة البلدي من عم عمر عماري في غرب حارة البحر, كانت لحظات أكثر من رائعة بان تتجول بوسط تلك الأزقة الصغيرة الرملية والبيوت المنقبية والنفوس الزكية ويتساقط عليك رذاذ المطر النقي ,, وما أن وصلت إلى عم بابصيل أخبرته بسلام والدي وبالوصاية في الفول ,,, حتى تراه قد ملء زبدية الفول إلى أخرها ,,, وعند وصولي المنزل كان الجميع بانتظاري على الفطور وقد ازدانت سفرتنا بخيرات الله ثم بجهد والدتي فهذا صحن العريكة وهذا بيض العيون والجبنه البلدي والحمد لله على نعمه ,,, وما انتهينا من الفطور حتى انضممت مسرعا إلى أولاد وبنات الجـيران أمام منزلنا لننشد ونلعب فالشمس مازالت محجوبة بتلك السحب السوداء المحملة بمياه الأمطار ,, وبعد صلاة الظهر ذهبنا في رحلة عائلية إلى أبحر للاستمتاع بالجو الخلاب والسباحة وتناول وجبة الغداء على البحر فقد قامت والدتي بتجهيز الحوت الناشف و المعدوس بالزبدة الفاخرة وسلطة الحمر ,,, واستمتعنا بأجواء جميلة وبتجاذب أطراف الحديث إلى غروب الشمس ,,, هذه ذكريات جميلة من زمن جميل ليست بالبعيد وذلك “عندما كنا نعشق المطر ولا نخشاه”.
التصنيف: