منيرة العقل

توقفت حافلة صغيرة ونزلت منها مجموعة من المتسولات والأطفال اتجهت كل واحدة إلى مكانها المعتاد تبدأ المهمة عندما تضيء الإشارة الحمراء فيكون المرور بين السيارات وطرق نوافذ الزجاج في مشهد يتكرر ومألوف نشجعه عن غير قصد حين نستجيب لنداء الطرق ونفتح النافذة ونعطي المال دون تردد وقد يدور في أذهانا معنى الآية الكريمة ( فأما السائل فلا تنهر).
التسول يتنامى كمظهر سلوكي يصبغ المجتمعات النامية التي يستوطن لديها البؤس والفقر والتي لم تحسن اللحاق بالركب الحضاري وما تزال تعوم في أوحال التخلف.
ومشهد آخر يثير التساؤل حين تعمد فئات من عمال النظافة إلى استعطاف المارة والتمركز عند بعض الأمكنة في انتظار ما تجود به نفوس الآخرين الذين ساعدوا في استمرار هذا السلوك دون التفات لما يمكن أن يحدثه هذا التعاطف من انشغال هؤلاء العمال عن عملهم الأساس الذين جاؤوا من أجله.
ويمكن القول أن بعض فئات المجتمع لا يزال ينقصها إدراك معنى العمل وتقدير المهنة أيا كانت لا مبرر حقيقة للتعاطف ماليا مع هؤلاء العمال وهم في عملهم وتشتيت أذهانهم في ترقب وانتظار منح مالية من هنا وهناك ! للأسف من يرى أنه يساعدهم ويتصدق يساهم في انتشار مظاهر سلوكية خاطئة يتسبب تناميها في إهدار الجهود لاحقا لا ألوم هؤلاء العمال ، لأننا بتصرفات غير مسؤولة فتحنا أمامهم أبواب أخرى للكسب وقد يلام أفراد المجتمع ممن يتدنى لديهم الوعي وغياب الحس المدرك لعواقب تنامي هذه الظواهر التي تسيء حضاريا للبلد .
في بعض الدول تصعب السيطرة على المتسولين وتتحمل شرطة مكافحة التسول العبء الأكبر والجهود تستنزف وكانت النتائج لا تبشر بالقدرة على الحد من هذه الظاهرة للأسف كانت الأمور تتفاقم ويعتاد المتسولون على مداهمات الشرطة ، يتم القبض عليهم ويكون حينها الحبس أو الإنذار الأولي والتعهد ثم الإفراج عنهم وسرعان ما يعاود هؤلاء المتسولون نشاطهم وهذه المرة بوسائل أكثر احتياطا وتنبها !
والسؤال الذي يفرض نفسه ما هو المبرر لترك المتسولين في بلادنا دون رقابة و دون تنبيه . من المسلم به في نشوء السلوكيات الخاطئة في المجتمعات إهمالها منذ البداية والتعايش معها كواقع لا يلتفت له ويهمش دون تبصر للأثر السيء القادم الذي ستتركه على المجتمع وعلى البلد .
فهل تتواجد الآن جهات تحرص على تقصي هذه الظاهرة الناشئة ، وهل تعجز الجهات المخول لها المتابعة عن وضع الحلول وعن تقديم رؤى مستقبلية تقدر حجم إهمال هذا السلوك الدخيل على مجتمعنا المحافظ المستعفف دينيا وأخلاقيا ، وهل يمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مكافحة التسول !
ختاما أشير إلى السبب الرئيس في تواجد هذه الظاهرة الدخيلة وقابليتها للتوسع حيث يفتقد أفراد المجتمع إلى الوعي السلوكي المتمثل في سلبية دعم المتسولين في أماكن تواجدهم بذريعة احتساب الأجر والثواب في مفهوم يغيب عنه الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام التي عابت مهنة التسول وحذرت منها في نصوص مختلفة .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *