علام يطلق اسم فلسطين؟
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عماد موسى[/COLOR][/ALIGN]
لما لم يجد من فلسطين الانتداب شيئاً من الأرض،ولما لم يجد من شعبها سوى بقايا شعب، شرده الاستعمار الإسرائيلي في وطنه وخارج وطنه، ولما لم يجد شيئاً يتفاوض عليه،ولما كان المستعمر هو الذي يمتلك القوة العسكرية والمالية والإعلامية والدعم الغربي الاميريكي لم يبق من فلسطين سوى العنوان.
غن هذا العنوان ليس من اختراعي، بل هو عنوان كتاب للمؤلف الصحافي الفرنسي ألان غريش،الذي عمل رئيساً مشاركاً لمجلس إدارة لوموند ديبلوماتيك العريقة،ورئيس تحريرها في سنوات مضت، ورئيس رابطة الصحافيين الفرنسيين المتخصصين بشؤون المغرب العربي والشرق الاوسط،
استعرت العنوان ، ليس بهدف الكتابة عن الكاتب أو للكتابة السياسية عن الكتاب أو لعرض الكتاب وليس بقصد ممارسة إغواء معرفي لاقتناء الكتاب ليصبح مرجعاً معرفياً غنياً بالمعلومات،بل لأنني في الواقع احترت كيف أطلق العنوان على خطاطتي هذه ،لأنني أميل إلى اختيار العنوان الاعتباطي. بل إلى اختيارالعنوان العلائقي الذي يمد وشائجه إلى المتن فيتناسل داخل المتن تناسل الجذور للنبتة أو للشجرة، فحرت بين أن اسميه (مس فلسطين) أو (مس إسرائيل) وللمسات حكايات طريفة ومؤلمة في حياة الطفل الفلسطيني.
فقد شاع إطلاق اسم فلسطين أو اختيار اسم مدينة من أسماء مدنها على المولودات(الإناث) بعد النكبة أو النكسة، لآن تأنيث اللغة راسية من رواسي العقل المعرفي العربي،ولأن المدن والأوطان يغلب عليها التأنيث اللغوي لارتباطها في السكن والإقامة والاستقرار،هذا من جانب، أما من جانب آخر والمتعلقة بالفلسطينيين فهي محاولة سيكولوجية لترحيل عاطفة الفقد إلى شيء عياني يمكن من خلاله تحميل التاريخ والمأساة والفجيعة لهذا الاسم بحيث يرى الزمان للأرض والإنسان مكثفاً في إطلاق هذا الاسم أو ذاك من أسماء المدن على الطفلة القادمة للدنيا اسم فلسطين أو حيفا ويافا أو بيسان،و قد لا يكون مدركاً، وواعياً انه بعمله هذا يرسم محددات هووية لهذه البنت أو تلك، فمنذ ميلادها يتم تحميلها اسما يطلق على مدينة أو على وطن أي تحميل البنت التي أطلقوا عليها اسم فلسطين أو اسم إحدى مدنها إرثاً تاريخياً ضخماً،مثقلاً بالآلام والتضحيات والتشرد والمقاومة،فالبعض ممن اطلقوا على بناتهم اسما من هذه الأسماء أرادوا التأكيد لأنفسهم وللمحتل بأنهم لن ينسوا ولم ينسوا، فالتسمية المطلقة على البنت، تصبح مفتاحاً لحقل دلالي كبير،والبعض أطلقها على سبيل المزايدة ، والبعض الآخر على سبيل التقليد والمحاكاة، وذلك لما أصبحت تقع ضمن ما يطلق عليه في عالم الأزياء بالموضة أو الصرعة،وفي الحقل العلمي \”موديل\” أي الأنموذج مثلما درجت في مرحلة ما تسمية البنات بأسماء غير عربية لدى النخب الثقافية العربية التي تعلمت في الغرب.
أما بخصوص \”المستين\” فلسطين وإسرائيل فقد قرعا خزان مسامعي قبل فوات الأوان ،وبقيت أسمع الرجع والصدى، ونمت من تعبي مهلوساً بالأصوات متوتراً فنهضت غاضباً، حانقاً وناقماً،على نفسي وعلى كل من حولي، متسائلاً بجنون، من أوصلنا وأبناءنا إلى هذه المرحلة ليستبدلوا اسم \”فلسطين\” باسم\” إسرائيل\” وكيف خطر ببالهم أن يتخذوا قرارا بكتابة اسم اسرائيل على أوراق وتعليقها على سور المدرسة.
فقلت لنفسي، يجب أن أتحرى عن الموضوع، لأعرف هذا التحول في الفكر والسلوك عند الأطفال فهو ليس وليد اللحظة، وإن كان خروج التسمية الاستبدالية قد جاء وليد اللحظة بالنسبة إلى الأطفال، فسالت أيهم كيف ذهبتم المدرسة وعن طريق من؟ فأجاب :أولاد في الحارة كانوا يدرسون في المدرسة، اخبرونا بأنه بالإمكان الالتحاق بالمدرسة طوال مدة انعقاد المعسكر في المدرسة الذي إقامته التربية والتعليم، وبالفعل تنادى الأطفال فرحين كعادتهم، وذهبوا إلى المعسكر الصيفي المنعقد في المدرسة الكائنة في حيهم ، سألت أحدهم أليس من الأفضل لكم البقاء في البيت، واللعب أمام العمارة،فقال لي بحزن: أنت مو شايف الجرافات والشاحنات والقلابات والحفارات رايحة جاية، أنها تعرضنا في كل لحظة للدهس، أحسن لنا ولكم أن نذهب الى المعسكر الصيفي،وبالفعل ذهبوا بقرارهم وبتشجيع من أولياء أمورهم،واستمروا لمدة ثلاتة أيام، وفي الرابع رجعوا من المعسكر التربوي الترفيهي المعد لتمكين الطفل الفلسطيني لممارسة حقه في اللعب وتنمية المهارات غاضبين ، هاتفين مس إسرائيل لفت انتباهي هذا التحول، وأجريت حفريات معرفية لأعرف لماذا جاءت ردة أفعالهم الاحتجاجية على هذا النحو، سألت ابني أيهم، والذي كان مشاركاً في المعسكر،طردتنا مس فلسطين من المعسكر مستاءين وغاضبين ،سألت أيهم، لماذا؟ فقال: أولاً لأن فلان ابن جارنا صارت معه مشكلة مع طفل آخر في المعسكر.
وثانيا: لأنني في الصف السابع،مع أنه يوجد واحد في الصف السابع بس خافوا من أبوه فخلوه في المعسكر،ربما قد لا تكون المعلومة صحيحة وفق رواية الأطفال، ولكنها مؤشر تربوي خطير للمساواة والعدالة وعدم التمييز.وتعبير خارج من اللاوعي الجمعي للأطفال،عن تصور مرجعي لشكل العلاقات البينية الاجتماعية وغيرها السائدة داخل المجتمع الفلسطيني.
ومن ثم أردف قائلاً:\” ليش ما خبرتنا مس( فلسطين) عن شروط المشاركة في المعسكر الصيفي، ليش تركتنا ثلاث أيام وعند أول مشكلة،ليش اتخذت من المشكلة حجة لطردنا، وين نروح نلعب،من حقنا كأطفال أن نلعب هيك علموتنا حقوق الطفل في المدارس ،وانتم الكبار مش عاملين ايشي إلنا، هاي الجرافات بتشتغل أمام العمارة والحفارات من الساعة السادسة صباحاً حتى الثامنة مساء وانتو بتعرفوا والبلدية بتعرف إنو في هناك طلاب توجيهي وعندهم امتحانات\”.
ومع ذلك كلهم بيشتغلوا فينا باسم( فلسطين)، وباسم بناء مؤسسات الدولة،فسألت أيهم: هل ناقشتم مس فلسطين المشكلة، وطلبتم منها أن تراسل الجهات المعنية أو تتصل بمدير التربية لتسمح لكم بالبقاء قال:\” يا بابا طردتنا، لو أنو مس فلسطين على قدر من المسؤولية لفتشت لنا عن حل، ولكنها فعلت كما تفعل مس إسرائيل بالأطفال تطلق عليهم الكلاب وتضربهم وتعتقلهم ألم تر تقرير انتهاك مس( إسرائيل) الأم الرؤوم لحقوق الطفل الفلسطيني؟ ما الفرق بين المستين؟ مس( فلسطين) المعلمة والتربوية التي استوعبتنا لثلاثة أيام على عيون الأشهاد ومن ثم طردتنا وتركتنا نشكو إليكم أمرها،كما تفعل مس( إسرائيل).
التصنيف: