لا أعلم متى خرجت لنا عبارة “صالح لكل زمان ومكان”، ولا أعلم كيف استخدمت وبأي معنى استخدمت أول ما استخدمت، لكنَني أعلم أن السِياق الذي تستخدم فيه في وقتنا الحاضر مشوَه ويشوبه التَخلُف. لا تكاد تقرأ النصوص القرآنيَة والأحاديث والتفاسير، وتتمعَن في الاجتهادات العتيقة ثمَ تتفكَر وتتدبَر في المعاني وكيف أنَها لا تتوافق مع روح العصر ومستجدات الحياة، فتحاول أن تطرح الاحتمالات الواردة لتأويل النصوص على غير ظاهرها، والتي تبدو بديهيَا كتفاسير أكثر انسجاما وتناغما مع الحاضر المتطوِر، حتَى يقفز في وجهك الواقفون على أطلال الخلافة ليرددوا بحنق واستنكار شديدين “الإسلام صالح لكل زمان ومكان”!!! فتحاول أن تستوقف حبل أفكارك وتسترجع تأملاتك، لعلَك تفهم ما الذي استفزَهم من بحثك أو طرحك، خاصَة وأنَك تتفق معهم تماما في ظاهر العبارة المظلومة. لكنَك لا تجد إلا تفسيرا يتيما ألا وهو أنَ هؤلاء يختلفون معك في باطن العبارة فيجعلون منها المرادف الحديث لقول قوم ابراهيم “بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون”. أغفل المتنطِعون أ ن نبي الله ابراهيم عليه السَلام استخدم المنطق وتحكيم العقل في الإقناع بدعوته، فسأل قومه عبدة الأصنام إن كانت أصنامهم تسمع قولا أو تجلب نفعا أو تدفع ضرا؟ وهنا أثر واضح لإبطال التَقليد في الدِين وإرساء مراجعة الموروثات والتفكُر والتَغيير لما هو أقرب للمنطق الرَاهن. مثال آخر من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلَم، هو نهيه عن زيارة القبور ثم أمره بالعودة لزيارتها بعد أن تغيَرت المعطيات الزمانية والمكانيَة والمجتمعيَة. الخليفة عمر ابن الخطَاب رضي الله عنه عطَل حدّ السَرقة الواضح ذكره في القرآن وتطبيقه في السُنة لإختلاف ظروف المعطيات. ونحن أصبحنا نعدّ للعدو السِلاح والدَبابات عوضا عن السيف والخيل تماشيا مع معطيات عصرنا مع أن الآية الصريحة والواضحة تقول : “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل”. ألم يستشهد بعض علمائنا بآيات قرآنيَة عندما اجتهدوا بأن الأرض مسطَحة وثابتة وأفتوا بكفر من يدَعي أنها كروية أو متحركة، قبل أن يتجاوز فتواهم العلم ويتجاوزها النَاس معه؟!
دعونا نتَفق عند هذا الحد على أن “الإسلام صالح لكل زمان ومكان” ولكنَ بعض عقول المسلمين ثابة ومسطَحة! يتبع.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *