شيخي الجليل أبو بكر الفزاني!

• عبدالفتاح أبومدين

** هذا الرجل رطب الله ثراه، كنت عنده أتعلم وأحفظ ما أتيح لي من الكتاب العزيز في “بنغازي” ليبيا ، يوم كنت طفلاً، ومعي رفاق من المنطقة التي كنت أسكن فيها اسمها “البركة” حي “الرويسات”! وكان تجمع الطلاب من المنطقة نفسها، أذكر منهم: إبراهيم وعبد الله سميو ومحمد عنال والدالي وآخرين, نسيت أكثر أسمائهم مع مرور الأيام! والشاعر يقول:
اختلاف النهار والليل ينسي أذكرا لي الصبا وأيام أنسي

** ذلك الفقي الجليل كما يسمى هناك، كان يعلم الكتاب العزيز في حجرة من مدخل داره قريبا من سكني ورفاقي ,وبدء الحفظ يومئذ من فاتحة الكتاب العزيز والتدرج بعد الفاتحة ثم سور الناس والفلق والإخلاص وتبت يدا أبي لهب، وهكذا تباعاً مع سور الكتاب العزيز في تلك الحجرة من سكن شيخنا من مسكنه كنا نجلس على “حصر ديس” وبأيدينا ألواح كتب عليها آيات من الكتاب العزيز، كتبها الفقي نفسه بريشة من التعصب والحبر وذح” من حرق “صوف” الغنم الملتصق بعرق الشياه هذا الوذح كما يسمى هناك يحرق ويذاب بماء غير بارد ليصبح حبرا تكتب به ألواح طلبة حفظ الكتاب العزيز بأقلام “قصب”, يبرأ بموس حادة من جهة واحدة ليكتب به بعد غمسه في تلك الدواة ,يؤدي هذا العمل “الفقي” معلم القرآن والطلبة يحفظون ما كتبه الفقي بعد لك! ,وهكذا دواليك والطلبة الذين كنت أحدهم قريب بعضهم من بعض في الحفظ والتسميع وفي كل يوم “أربعاء” من كل أسبوع يأتي كل طالب بدراهم معدودة بعملة البلاد “ألإيطالية” ما قيمته نصف فرنك أي ما يساوي نصف ريال” بعملتنا اليوم.

** وبعون الله جلّ وعلا وصل حفظي إلى سورة المؤمنون وقرأت بداية هذه السورة المباركة ثم توقفت عن مواصلة حفظ الكتاب العزيز مكرها؛ ذلك أنني أعيش ووالدتي في بيت واحد قديم إرثاً من والدي رحمه الله ورطب الله ثراه، وليس عندنا من ينفق علينا فأخواي من أبي شواغلهما بعائلتهما، ولي شقيقتان إحداهما التي أسن مني تزوجت والتي أنا أسن منها أخذها أحد أخوي إلى داره لتعيش في بيته وهو عقيم.

** إذاً فوالدتي وكاتب هذه السطور لا أحد ينفق عليهما وهو ما دعاني إلى الانسلاخ من مواصلة حفظ الكتاب العزيز وتخليت عن ذلك مكرها ومتألماً، والأمر لله من قبل ومن بعد! ,ولما انطلقت إلى العمل في المقاهي ثم في فرن ينتج الخبز ويستقبل خبز البيوت” وطواجنهم بأجور” ثم في دكان أبيع فيه الخضار، ثم انخرطت في أعمال شتى بعد ذلك؛ ثم أعمال أخرى من خلط مواد البناء من رمال واسمنت ونوره، ثم دخلت في أعمال البناء بعد انتصار الحلفاء على الإيطاليين والألمان في أواخر الحرب العالمية الثانية، إلى أن ساقتني المقادير إلى بلاد الحرمين الشريفين مع أول فوج للحجاج حيث إن خالي مصطفى بدر الدين” ناظر عموم الرسوم ومقرها جدة,وهكذا الأيام ومن يسعى فيها ومعها! ,ولولا عجلة تلك الفتاة لمدها بتاريخ حياتي لسجلت المزيد من واقع كدّي في حياتي العامة وهكذا دواليك. والله المستعان.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *