شرخ في النظام الإيراني
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد سعيدي[/COLOR][/ALIGN]
من مقاييس النجاح في أي انتخابات، سيما منها الانتخابات الرئاسية، نسبة المشاركة القياسية العالية فيها، وقدرة المتنافسين وكفاءتهم في تجنيد الجماهير ودفعها للمشاركة الكثيفة في تلك الاستشارة. والشرط الأهم أن تتم في كامل الشفافية وأن لا يشوبها شك أو طعن. بهذه المقاييس ومنذ طرد الشاه وإنشاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت الانتخابات الرئاسية تجرى على تلك المقاييس، على الأقل في الظاهر، إما لأن المناخ الثوري كان قويا وإما لتلك التصفيات الواسعة التي قامت بها الثورة لأعدائها أو منافسيها، وحتى المخالفين في الرأي داخلها، ولم تسلم تلك التصفيات من النفي والاغتيالات.
وقد مرّت جميع الانتخابات الرئاسية في إيران تقريبا من غير مشادات ظاهرة ومن غير طعن مؤسس، وحتى الانتخابات ما قبل الأخيرة التي فاز فيها الرئيس أحمدي نجاد على أحد أركان النظام الأساسيين الرئيس هاشمي رفسنجاني لم تثر اعتراضا ذا شأن، لكن الأمر تغيّر هذه المرة بشكل مفاجئ ودرامي وصل إلى التظاهرات الشعبية المتضادة والعنيفة، مما تسبب في سقوط قتلى ومئات من الجرحى في مشادات عنيفة بين المتظاهرين المحتجين وعناصر الأمن القمعي،مما أحدث شرخا عميقا في جسم النظام الإيراني الذي كان يظن أنه مأمون الداخل، وأن ما يهدده هو العدو الخارجي، وأن أي تحرك داخلي هو من صنع هذا الخارج، وكان تفسير النظام للتظاهرات الاحتجاجية هو هذا المنطق التقليدي الذي يتجاهل التطلعات الشعبية المستقلة البعيدة عن التدخل الخارجي.
نجح النظام الإيراني ومنذ ثلاثين سنة، أن يحقق حدا أقصى من الاستقرار الداخلي ولو في المظهر، وأن يحقق مكاسب سياسية وعسكرية استراتيجية هامة، حقق فيها قوة عسكرية إقليمية، استثمر القضية الفلسطينية بمهارة، فوضع أقداما في غزة ولبنان.كما استغل المستنقع الأمريكي في العراق وإنهاء النظام العراقي القوي الذي كان حاجزا أمام التوغّل الإيراني في المنطقة العربية ليمتد إلى جسم العراق، وهو يحاول ترسيخ هذه المكتسبات عن طريق السعي إلى تطوير سلاحه النووي.
يبدو أن النظام الإيراني أصبح راسخ الاقتناع بهذه الاستراتيجية والطموح إلى دور اقليمي رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، النظام الإيراني المنتشي بالمكاسب الجديدة يعطي ظهره للمتغيرات العميقة التي حدثت داخل إيران في الثلاثة عقود الأخيرة. الانتخابات الأخيرة أظهرت النظام الإيراني يواجه أزمة تغيير حقيقية، أزمة تحول عميقة، أزمة الأجيال الجيدة مع القوة المتحكّمة في مفاصل النظام، والتي ترفض التغيير والاستجابة لتطلعات الأجيال الجديدة عن طريق \’\’الشرعية التاريخية\’\’، واحتكار السلطة. الشرخ الإيراني كما برز في صدامات الشارع، وانشقاق قيادات النظام التقليدية لا يعالج بالشعارات التقليدية المعبرة عن العجز السياسي وتجاهل حركة التاريخ. اتهام القوى الشعبية الهائلة المحتجّة بالعمالة للخارج، ومنعها من المظاهرات السلمية عن طريق منع الرخص والتهديد بالقمع والاعتقالات لا يحل الأزمات من هذا النوع، ويمكن أن يؤدي إلى الهاوية.
عن الخبر الجزائرية
التصنيف: