سجال الأنتلجنسيا العربية في نسق الربيع العربي
[COLOR=blue] ماهر عرار[/COLOR]
من خلال متابعتي للسجال النخبوي الذي صاحب الربيع العربي ،وجدت أن النخبة انقسمت على نفسها في تفكيك جدلية الثورة ومستلزماتها ومدى تطابقها والربيع العربي، ففي حين دافعت فئة أنتلجنسية بعنف عن تعريفها للأحداث الدائرة والتي أصطلح عليها بربيع الشعوب العربية متمسكة بوصف الثورة، دافعت فئة أخرى عن تعريفها لما يجري بصورة مغايرة معتبرة أن الوصف الأدق هو الانتفاضة.إن جوهر وجذر الخلاف تمحور حول بيئة ومناخ الثورة في الخيال العلمي ،حيث أن الفقه العلمي وبالنظر للمنجز الفلسفي تاريخيا يفترض في أي ثورة توفر عدة شروط من شأنها إكساب الحراك اصطلاح الثورة ،من أبرز هذه الشروط نخبة الثورة ويناط بهذه النخبة قيادة الثورة وضبط إيقاع حركتها ،الأمر الذي لم يتوفر في واقع ما اصطلح عليه الربيع العربي …في مقابل ذلك تفاقمت سجالات الأنتلجنسيا وقد أحدث ذلك معادلة الأصطفافات والتخندق خلف القناعات الإيمانية لهذه الفئة أو تلك ،وقد أنكبت جوقة التطبيل للربيع في نسق ثورة ،على تسويق تعريفها تحت خطاب قدم من فعل وفاعلية الجماهير على أطروحة النخبة كشرط لأي ثورة ،إذ تم التعبير عن ذلك بالقول أن خصوصية الحالة العربية تسقط شرط توفر النخبة كشرط طردي للثورة على غرار نسق الثورة في فرنسا وسواها.
الآن وفي أعقاب ثلاث سنوات على الربيع العربي ،بوسع المرء الحكم بموضوعية حول وضعية الربيع العربي في الخيال الفكري العلمي ،ولربما هناك ثمة عوامل تساعد على تفنيد الأطروحة من مشهدية الربيع العربي ذاته وذلك بالنظر للمنجز الفعلي والعملياتي لهذا الربيع المعرف بالثورة من عدمه، أي أن حصيلة إفراز الربيع العربي تظهر أن النخبة معيار علمي محتم يفترض توفره كعنصر ضابط ومحدد وضامن لاستقامة الثورة وفحواها.
السؤال هل يحق وصف الربيع العربي بالثورة ؟ ببساطة لا يمكن إسقاط اصطلاح الثورة على الربيع العربي ،لأن الثورة فعل تغيري جذري مسنود بفكر نخبوي وخطاب ثقافي تعبوي من شأنه إعادة صياغة بنيوية الدولة بعناصرها المركبة (السلطة ،المجتمع ،السياسة) ،الأمر الذي لم تحدثه حركة الشعوب العربية وبالتالي إن الوصف والتعريف الأقرب للمنطق العلمي يتمثل بتعريف ما جرى في إطار انتفاضة أو هبة جماهيرية ساخطة على واقع معيشي اجتماعي بالدرجة الأولى ،أي لا يرتقي لمستوى الثورة وتجلياتها اجتماعيا وسياسيا وفكريا. أما مصطلح الانتلجنسيا فيطلق على المفكرين أو المثقفين ذوي النزعة النقدية التقدمية. وهم فئة اجتماعية تمتهن العمل الذهني المعقد والإبداعي في معظمه ويشتغلون بإدارة الإنتاج وتطوير الثقافة ونشرها .
التصنيف: