زقاق المساكين
م. محمد بن عبدالله بن هاشم النمر
عُرفت الأزقة في مدينة جدة القديمة على أنها الشوارع الصغيرة أو الممرات المتعرجة بين المباني والتي عادة ما تتفرع من أحد البرحات لتمتد بين عدد من البيوت حتى تنتهي إلى برحة اخرى أو شارع عام. وفي حارة البحر القديمة كان هناك أحد الأزقة والذي يعتبر شاهداً على الكثير من المواقف الإنسانية واللحظات السعيدة ويمثل التكافل الاجتماعي لبعض الفقراء والمساكين من أهالي وسكان مدينة جدة التاريخية , فقد عرف هذا الزقاق باسم زقاق المساكين وكان موقعه تحديداً بالقرب من سوق الخاسكية خلف حوش النخلة وحوش البلاط من الجهة الجنوبية.
لم يكن زقاق المساكين مجرد زقاق عادي , بل أنه أخذ من اسمه نصيب فقد كان الزقاق مرتعاً لتجمع بعض الفقراء فيه لاكتساب بعض الصدقات من أبناء وزوار مدينة جدة المتمثلة في مبالغ نقدية أو أكل أو حتى الملابس. ففي السابق لم تكن الحياة يسيرة كما هوا الحال الآن , بل كانت لقمة العيش صعبة في ظل عدم ازدهار المدينة قبل عهد الدولة السعودية , فكانت جدة القديمة تحتوي على بعض الفقراء والمساكين من أبناء البلد اللذين انقطعت بهم سبل توفير المال بالإضافة إلى بعض الوافدين الذين استقر بهم الحال للعيش في جدة.
يعد زقاق المساكين أحد المعالم الخيرية التي اشتهرت بها حارة البحر فكان معروفاً بأن من يلازم هذا الزقاق هو أحد المحتاجين ويعاني من عُسرة مادية , فكان من الآداب قديماً هو الاكتفاء بالمكوث فيه دون إحداث أي حرج في طلب المال. ويذكر الأستاذ عبدالرحمن فخري أن غالبية جلاس هذا الزقاق كانوا من النساء و القلة من الرجال أما عن حجم الزقاق فلم يكن كبيرا ولا صغيراً بل كان متوسط الحجم بإمكانه استيعاب جميع المحتاجين عليه. أما السيد عبدالله النمر فيذكر بأن الأهالي في السابق كانوا يرسلون الفائض من طعامهم اليومي لأبناء الزقاق وذلك للحرص على عدم رمي الطعام الزائد مما ينتج عنه التبذير والإسراف فكان يأخذ الطعام إلى الزقاق كلما فاض عن حاجة البيت. حقيقة , يجسد زقاق المساكين ذكرى جميلة حسنة لأبناء مدينة جدة القديمة فكلما سألت أحد المخضرمين عن هذا الزقاق من أبناء حارة البحر يأخذ نفساً طويلاً ويقول لي ” اييييه كانوا غلابه ومساكين ينتظروا أي شيء ليفرحوا به”.
الجدير بالذكر أن زقاق المساكين أزيل تماماً في النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي بعد إزالة حوش النخلة وحوش البلاط لغرض إنشاء شارع مؤسسة النقد , وأنتقل أغلب المساكين للمكوث في أماكن متفرقة في جدة القديمة. وفي الثمانينات الميلادية من القرن الماضي عاود بعض المساكين بالتجمع في أحد الأزقة المتفرعة من برحة النمر والممتد شمال زقاق النمر وغرب رباط باناجه في حارة البحر , وكنت أشاهدهم أسبوعياً في كل يوم خميس يتجمعون في وقت معين انتظاراً لأحد التجار حتى يقوم بالتصدق عليهم بمبلغ مالي وكان جميعهم نساء من الجنسية الأفريقية والبعض منهم تصطحب اطفالها الصغار حتى ينالوا رزقهم ايضاً. وبعد إزالة رباط باناجه في بداية القرن الميلادي الحالي اختفوا تماما أولئك المساكين ولم يعد لهم وجود حتى هذا اليوم. رحم الله أبناء جدة القديمة و كل من أحسن إلى المساكين.
[email protected]
التصنيف:
ماشاءالله مقاله جميلة كجمال صاحبها جزاك الله خير وكتر الله امثالك