رعاية لطبيعة الخلق وفطرتهم
خلق الله الناس ولديهم قابلية الاختلاف وجمعهم على رأي واحد هو احد المستحيلات عقلاً وشرعاً، بل لم يتم عبر التاريخ ان صبوا في قالب واحد لا يختلفون ابداً، أليس ربنا يقول: (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)، فمقتضى الحكمة الالهية وجود الاختلاف بعضهم على الايمان، وبعضهم على الكفر وهذه الحكمة بنى عليها نظام هذا العالم، اقتضت ان يكون نظام عقول البشر قابلاً للتطوع في مسلك الضلال، او في مسلك الهدى على مبلغ استقامة التفكير والنظر والسلامة من حجب الضلالة، وهذا الاختلاف قد يكون بين المؤمنين حيناً ايضا وبعض الكافرين، وقد يكون بين الفريق ذاته لاختلافهم في المدارك والعقول وحتى هم في الاعمال والحرف والمهن يختلفون فيخدم بعضهم بعضاً، فالشاعر يقول:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وان لم يشعروا خدم
والناس في اختلافهم الفطري ايضا يخدم بعضهم بعضاً فهذا يعلو ذكاؤه فيبدع ويخترع ما يحتاجه الآخرون ومنهم ادوات لصنع ما اخترع وهكذا، فالتنوع البشري ضرورة في هذه الحياة الدنيا، لا تقوم الا به، لذا قال بعض علمائنا: لا تقل اجمع البناس لعلهم قد اختلفوا، بل بالغ حتى قال: من ادعى الاجماع وقد كذب، ومحاولات جماعة منا في هذا العصر ان يدعو اننا في هذه البلاد على رأي واحد مجرد وهم، فنحن كباقي البشر نختلف ونتفق، لا اقول في مسائل الدنيا والمعاش بل وفي مسائل الدين، ونحن هنا اتباع المذاهب الاربعة السنية مقلدون لهم الاحناف والمالكية والشافعية والحنابلة، ولنا في مناهج العلم والتعلم طرائق مختلفة، وها هي حلبة الاختلاف بيننا في المسائل الفقهية بل والعقدية لا يمكن احد ان ينكرها، والاختلاف حتماً لا يكون ضاراً الا ان حاول بعضنا اكراه بعض على يتبع مذهبه ومنهجه، وهو اليوم في عالم الناس اصبح مستحيلاً، ولكن يبقى ان تنال المختلف عنك بلسانك، فتتهمه بما ليس فيه بهتاناً حرمه الله بقوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً واثماً عظيماً) ويرشدنا سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الى حفظ الستنا من الوقوع في اعراض بعضنا بعضاً عند الاختلاف، “فعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال: لقد سألت عن عظيم، وانه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال: ألا أدلك على ابواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء الناء، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا “تتجافى جنوبهم عن المضاجع” حتى بلع “يعلمون” ثم قال: الا أخبرك براس الامر وعموده، وذروة سنامه، قلت: بلى يا رسول الله، قال راس الامر الاسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا اخبرك بملاك ذلك كله قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا قلت: يا نبي الله، وانا لمؤاخذون بما نتكلم به قال: ويحك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ىاو قال: على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم، ويقول صلى الله عليه وسلم (ان العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة، وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالاً يهوى به في جهنم) ونحن في زماننا هذا ملأنا الدنيا صراخاً باختلافاتنا، واستخدم المختلفون منا كل ما في قواميس لغتنا ومعاجمها من اسوأ الالفاظ للنيل من بعضنا بعضاً، التهم تجري على الالسنة وكأن قائليها انما يتلو موعظة أو حديثاً، لا يتورع عن ان يتهم اخاه بالبدعة أو الفسق او الكفر او الالحاد، ولهذه الالفاظ ما يرد منها مما اخترعناه في عصرنا هذا مما يجعلها ادب وافضل، وليتنا اذا اختلفنا نختلف في مسائل عظمى عجز عنها من قبلنا، فغالب ما نختلف عليه قد قتل بحثاً ممن كانوا قبلنا ودونوه في كتبهم، ولكنا نتفوق عليهم في عدم الالتزام بآداب الحوار، فهلا كف بعضنا عن بعض وراعينا ان الاختلاف فطرة فدعونا الى الحق، بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، وعذرنا الناس عندما يختلفون معنا في رأي او اجتهاد فهذا اجدى لنا ولهم، فهل نفعل هذا ما ارجو والله ولي التوفيق.
التصنيف: