حدود الحرية داخل الذات
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. محمود أبو الهدى الحسيني[/COLOR][/ALIGN]
الحريات – من غير شك – مطلب يتناسب مع الإنسان الذي لن تكون له إنسانية من غيرها.. لكن أليس مطلوباً من الإنسان العربي أن يطلب الحرية داخل ذاته أولاً..؟إنه يعاني من عبوديته للرغباتِ التي أوجدها في داخله صانعوا الرغبات في الغرب.. كانت في الماضي على سبيل المثال تصنعُ المفروشات في بلادنا العربية خشبية قوية متينة متماسكة يدوم عمرها خمسين سنة على الأقل، فأوجد صانعو الرغبات في ذواتنا الرغبة في المستهلَكِ التالف الذي يبدله صاحبه بسرعة، وقالوا إن الاعتماد على المستهلكات التي لا تدوم أنفع لتداول المال، وتحسين الحال النفسية، وقالوا إن التغيير مطلوب من أجل التغيير..
فتركنا صناعاتنا المتينة، واستوردنا المستهلكات، ونثرنا أموالنا يميناً وشمالاً، ونسينا واجبنا الحضاري في بناء نهضتنا، وتعليم أولادنا، وتنظيم مجتمعنا، وشكونا بعدها من الفاقة والفقر، ولو رجعنا إلى أساسنا الحضاري الذي عليه قامت نهضتنا لوجدنا فيه:
1- ما عال من اقتصد.
2- إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها… الخ.
كنا نلبس للشتاء ثوبا وللصيف ثوبا آخر، فأوجدوا فينا الرغبة في تغيير (الموديل) لأن (الموضة) تغيرت..!!…. وهكذا .. هذا مثال على الأسر في رغبات غيرنا، والحاجة للحرية الذاتية في الرغبات..
وإنساننا العربي يعاني من عبوديته لفرديته بعد أن كان كائنا جماعيا اجتماعيا، فقد كانت روابط الأسرة، وصلةُ الرحم، وإكرامُ الضيفِ، واحترامُ الجارِ، وتكافلُ الجماعة منعا لهلاك الفرد قيما سائدة…
لكننا استوردنا الفردية ووقعنا في العبودية لها باسم التطور لأن التطور ارتبط في أذهاننا قلباً وقالباً بالغرب، حتى لو دخلوا جحر فأرٍ لدخلناه..
فتفككت مجتمعاتنا، ونشأت الفوارق الطبقية، وغابت قيمُ الأخلاقِ العربية النبيلة، وصارت من نوادر المجالس وفواكه الحكايات..
وإنساننا العربي يعاني من عبوديته لهوية غيره، فقد عظموا هوياتهم، وأوهمونا أنها نموذجُ المدنية، فرأينا في ضعفنا الحضاري هويتنا بائسة قديمة بالية، وما علينا إن أردنا السلوك في طريق المدنية إلا أن نخلع هويتنا ظاهراً وباطناً لنصبح في مصافِّ الرقيّ والاحترام.
فعاد الخوفُ إلى ذواتنا بعد أن كانت هويتنا الشجاعة..
وعادت الأنانية إلى ذواتنا بعد أن كانت هويتنا الإيثار..
وعاد الشحُّ والبخلُ شعارنا بعد أن كانت هويتنا الكرم والتفتي..
وتمسكنا بكلِّ ما يُصدّر إلينا، واحتقرنا كلّ أصيل لدينا…
فأصبحت الحاجة إلى حرية ذواتنا حاجة ماسّةً لا أظنُّ أننا سنعود إلى دورنا المتميز في العالم من غيرها، ولو صرخنا ألف سنة.
التصنيف: