حارة الشيخ .. وجهة نظر أخرى

• نزيه حسن علي السيد

نزيه حسن علي السيد

الآن..وقد انتهي مسلسل حارة الشيخ بحلقاته الثلاثين..بعد أن أثار موجة عارمة من الغضب والنقد لدي عدد كبير من أبناء جدة لعدة أسباب يرونها ويمكن تلخيصها – حسب وجهة نظرهم – في أن هذا المسلسل مرفوض شكلا ومضمونا..بما احتواه من ملابس وديكور ..

وبما يحمله من اساءات واسقاطات علي جدة وأبنائها..وتشويه بالغ لتاريخها وتراثها ..ولا شك أننا نتفق جميعاعلي ما احتواه المسلسل من اخطاء كان يمكن تلافيها باللجوء الي أهل الخبرة وخاصة من الكتاب والمؤرخين من أبنائها وهم بحمد الله كثر..وقد قال المؤلف أن فريق العمل استعان بأهل الخبرة لمراجعته ولكن لا نعلم من هم ..؟!!..لقد شاهدت المسلسل بحلقاته الثلاثين ..

وبناء علي ذلك لعلي استطيع أن أري الجزء الملآن من الكوب لأتحدث عنه بامانة وحيادية ..راجيا من كل الأخوة الذين يصرون علي رفض المسلسل أن يتقبلوا رأيي بشئ من الهدوء وحسن النية ..فالعمل يستحق النقاش والأخذ والرد وابداء وجهات النظر المختلفة من أجل جدة أولا..ومن أجل الحق والإنصاف لأصحابه..

مؤكدا أنه لا تربطني أية علاقة من قريب او بعيد لا بالمؤلف ولا بأي طرف من المشاركين في هذا العمل..وما سأقوله هو عبارة عن وجهة نظر صادقة بنيتها علي ما امتلكه من خبرات تراكمية لتاريخ عاصرته شخصيا وقراءات متواضعة عن تاريخ جدة وتراثها..
اولا : الديكور والأزياء
1-الديكور: بالنسبة لشكل المنازل داخليا وخارجيا فلا جدال أنها لا تتفق مع الواقع المعاش آنذاك..خاصة وأن بيوت جدة بني كثير منها منذ مئات السنين..ولاعذر للمخرج ولا المؤلف ولا الذين اوكل اليهم مراجعة العمل في الوقوع في هذا الخطأ الجسيم ..فالمنطقة التاريخية قائمة ولله الحمد وكان يمكن الاستعانة بها في هذا المجال ..

2- الأزياء : بالنسبة للأزياء فهي بالتأكيد ليست مطابقة تماما للواقع الذي عايشناه نحن وهو يتجاوز الخمسين عاما لكنها أقرب ماتكون اليه سواء للرجال أوالنساء..مع الأخذ في الاعتبار أن المسلسل ارتبط بفترة حكم الأ تراك..

أي قبل مايزيد عن مائتي عام.. وجاء في بعض كتب التاريخ ان من بين أزياء جده في القرن التاسع عشر لبس الجبة مع الطرابيش أوالقلنسوة الحمراء وهو ما رايناه في المسلسل..كذلك فأن غطاء الوجه الأبيض ربما كان مستخدما في تلك الحقبة.. وتلك كلها كانت موضع انتقاد..

ثانيا : القصة والسيناريو والحوار
القصة هي كما قال مؤلفها ليست توثيقا تاريخيا لجدة في تلك الفترة..ولكنها فانتازيا استلهمها من الواقع الحياتي آنذاك وعالجها برؤية مختلفة فيها شئ من الخيال ..وربما من هنا وظف بطل الرواية توظيفا لا يتفق مع حقيقة شخصية المشكل ودوره في مدينة جده..

ولكن من الممكن ان نفترض أنه استخدم هذه الشخصية كرمز لشخصية أخري كانت تفرض أتاوات علي التجار في ذلك الزمن ولكن ليس بالعنف والقوة وانما بقوة الجاه والسلطان..

كما أنه مزج الحقيقة بالخيال بالنسبة لساقية الخمارة..فالخمارات في جدة كانت حقيقة وموقعها خارج السور من ناحية باب المدينة كما أشار بيركهارت في كتابه”رحلات الي شبه الجزيرة العربية.. وجاء في بعض الكتب أنه كانت هناك حانات داخل السور..وقس علي ذلك باقي تسلسل الأحداث في المسلسل..كاستخدام العصا “الشون”سلاحا للدفاع والهجوم..

ولقاءات الشباب والشابات..والتي لم تكن واقعا في تلك الفترة..ولكنها علي اي حال وظفت في نطاق الحشمة والآداب العامة ..ورغم بعض الهنات ..فان الحبكة الدرامية للقصة كانت جيدة من حيث تتابعها بالنسبة للتنقل بين المشاهد وبالنسبة لبداية الحلقة ونها يتها وبداية المسلسل ونهايته ..

وهي تفوق كل الأعمال الدرامية المحلية التي سبقتها..ولا شك أن السيناريو والحوار كتب بحرفية متناهية ..ولولا أننا عرفنا كاتبها لظننا أنه أحد كتاب السيناريو والحوار المتمرسين والمحترفين..انه أفخم وأجود سيناريو وحوار لعمل ضخم ومحلي كهذا أعده وكتبه كاتب سعودي..ويستحق منا التشجيع والأشادة..
ثالثا : التمثيل : قدم المسلسل مجموعة رائعة من الممثلين والممثلات من ابناء هذا الوطن ادوا ادوارهم وكانهم محترفون ومحترفات درسوا التمثيل في معاهد فنية ومارسوه سنين عديدة أهلتهم لهذا الأداء المفرح ..ان هذه الكوكبة من المواهب كانت تستحق منا التصفيق والتشجيع كلبنة نبني عليها أساسا قويا للتمثيل بمختلف اشكاله..
رابعا : الأخراج : كنت اتمنى ان يتصدى لأخراج هذا العمل الضخم المغرق في المحلية مخرج سعودي كالأستاذ محمود صباغ ابن هذه المنطقة وابن بيئتها ..فلو حدث ذلك ربما أمكن تدارك كثير من الأخطاء ولخرج العمل بشكل أكثر اجادة واتقانا بحكم التصاقه بتراث وتاريخ الحجاز وثراء معلوماته وقراءاته.. ولكن هذا لا ينفي جهد وحرفية المخرج مثني صبح..
وبعد..ان جدة كانت القاعدة التي انطلق منها التمثيل الإذاعي والمسرحي..وكانت البدايات علي يد جيل من الرواد أتذكر الآن منهم :
عبد الرحمن حكيم،الشريف العرضاوي،محمد علي يغمور،عبد الرحمن يغمور، خالد زارع ،حسن دردير،لطفي زيني،محمد حمزه وغيرهم..ثم بدأت فترة ما يسمي بالصحوة عام 1400ليتم تجريف الفنون بكل اشكالها.. في جدة وفي غيرها من المدن ..ولكن استطاع الفن التمثيلي في منطقة الرياض أن يسترد بعض وهجه من خلال حلقات طاش ما طاش وغيرها..أما في جدة والمنطقة الغربية بصفة عامة فقد ظلت تعاني جفافا وقحطا فنيا شاملا في كل الفنون.. حتي فاجأتنا mbc ولأول مرة بهذا العمل المحلي الفني الضخم كتابة واداء وانتاجا والذي لم يسبقه أي عمل محلي بهذ الحجم..ولذا كنت أتمني ألا يقابل بالقسوة التي قابلناه بها..كنت أرجو لو أننا أحسنا النية وعالجنا الأمر بالنقاش والسماع للرأي والرأي الآخر..حتي نتفق علي الأخطاء ونتلافاها في الأعمال التالية لتنطلق المسيرة ولا تتوقف مرة أخري.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *