ثقافتنا وثقافة الآخرين
لكلّ شعب ثقافته الخاصة به .. والتي تُميّزه عن الشعوب الأخرى .. ولكلّ أمّة هويّتها .. والتي تُميّزها عن الأمم الأخرى. ولكن .. وسط معمعة العولمة والانفتاح الإعلامي والاقتصادي والثقافي على العالم .. اختلطت الهويّات العالميّة بعضها ببعض .. وتداخلت ثقافات الأمم المختلفة بعضها ببعض .. حتى ما عاد البعض منّا يُميّز هويّته الخاصّة عن هويّة الآخرين .. اللهمّ إلاّ باللغة التي ينطقها الآخر .. وربّما باللكنة الغريبة التي يُحاول بها مماشاة اللغة المُستخدمة في المكان. نحن الكبار نعرف ما هي هويّتنا .. وما الذي يُميّزنا عن الأمم والشعوب الأخرى .. نعرف ثقافتنا الخاصّة .. قديمها وحديثها .. لكننا نُحاول الاختباء دائمًا خلف عباءات الآخرين .. وخلف ثقافتهم الواردة إلينا .. باعتبارها الأجمل والأفضل للأجيال اللاحقة والقادمة من أبناء هذا البلد .. دون أن نُدرك أنّ هذا الجيل يتمنّى لو يُدرك ثقافته الخاصّة به قبل أن تطمسها يد النسيان .. وقبل أن تتحوّل إلى مجرّد صور ورموز ومقتنيات قديمة .. نُحاول جمعها لتعليقها ورصّها فوق جدران المتاحف الجديدة .. أو في المهرجانات التراثيّة النادرة. من بدايتهم .. وبداية تكوينهم الجسدي والنفسي .. نلبسهم آخر ما تُنتجه بيوت الأزياء العالميّة من أسماء رنّانة ولامعة في سماء الموضة .. ونُسمعهم أغنيات الطفولة باللغات الأجنبيّة .. ونحرص بشدّة على أن نُلحقهم بحضانات ورياض الأطفال الأجنبيّة .. حتى يتعلم اللغة .. ويكتسبها منذ البداية. لكننا لا نعرف مقدار الضرر الذي نُلحقه بهذا الجيل .. ونحن نسحب منه هويّته الخاصّة .. وثقافته العربيّة والإسلاميّة .. لا نعرف ما الذي نُكسبه لأبنائنا .. ونحن نقوم بتحفيظهم الأغنيات الأجنبيّة .. ونُلقّنهم الأسماء والأفعال بلغة أجنبيّة أخرى .. ونُعلّمهم الأرقام والحروف الأولى باللغة الأجنبيّة .. ثمّ نطلب منهم بعد ذلك تصحيح مخارج ألفاظهم وهم يُحاولون النطق باللغة العربيّة في فترات زمنيّة لاحقة. هذا هو الواقع الحالي .. ثقافتنا غريبة جدًّا عنهم .. وثقافة الآخرين هي ثقافتهم التي يُعايشونها وينتمون إليها .. وفي حالة الاغتراب الثقافي التي يعيشون فيها .. لا نُحاول نحن الكبار تصحيح الأوضاع .. فنحن نفتخر بأنّ أبناءنا يُجيدون اللغة الأجنبيّة إجادة تامّة .. ويعرفون أسماء المغنين والممثلين الأجانب واحدًا واحدًا .. ويحفظون أغنياتهم وموسيقاهم عن ظهر قلب .. لست أبحث عن نماذج مثاليّة من الأجيال الجديدة .. بل إني أُطالب بالبدء بتشكيل هذه النماذج التي يتعيّن علينا نحن الآباء والأمّهات المشاركة في بنائها .. بالعودة إلى ثقافتنا العربيّة الأصيلة .. وقرآننا الكريم .. ولساننا العربي السليم .. والعودة إلى هويّتنا الأصلية التي نسيناها حقًّا .. ليس من أجلنا .. وإنّما من أجل مستقبل مشرق مضيء .. مفعم باللغة العربيّة والثقافة العربيّة الخليجيّة الأصيلة .
التصنيف: