ثقافتنا الاستهلاكية .. وأسئلة محرجة

Avatar

[COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR]

الأرقام لا تكذب ولا تتجمل عندما تتحدث عن واقع، وقد تبدو دليل عافية اقتصادية في موضوعنا، لكنها تحرجنا بأسئلة جادة من منظور إسلامي واقتصادي وهو: هل نحن مسرفون ونبسطها كل البسط أم أن الانفاق الاستهلاكي هو مظهر طبيعي لنعم لله علينا؟ إن شكر النعم يكون بالمحافظة عليها، والواقع يقول أن: أسواقنا الساهرة حتى منتصف الليل تحتل الترتيب الأول بالمنطقة في نشاطها، وفي أعداد الأسواق وكذا المحلات بكل شارع و(زنقة)، رغم الغلاء الذي تضاعف تحت سمع وأبصار المسؤولين وأجهزة الرقابة. لذلك سأذكر بعض الأرقام دون حشوها بحلا أو متبلات مشهية.
تقول الأرقام أن المملكة تحتل المركز العاشر عالميًا في الإنفاق على تقنية الاتصالات وهذا جيد ودليل على التطور والقدرة، كما أن مجتمعنا يعد الأول عربيًا في سوق الهواتف المحمولة بنحو 10 مليارات ريال سنويًا، لكن غير الجيد أن نتكلم بنحو 65 مليار ريال، طبقًا لتقرير حديث لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عن عام 2011م، فهل نلوم وزير المياه والكهرباء في تصريحه الشهير بأن «السعوديون ينفقون 70 مليار ريال على الهاتف ويريدون الكهرباء ببلاش» وبالتالي لا نلوم إلا أنفسنا عندما تلهب فاتورة الكهرباء جيوبنا.
ليس هذا كل شيء، فنحن على مسافة أيام من الموسم السياحي، والسياحة الخارجية وما تستنزفه من جيوبنا برضا وطيب خاطر وتفاخر حتى لو اقترض البعض من أجل السفر، حيث تقدر الدراسات حجم إنفاق السعوديين على السياحة الخارجية عام 2011م فقط بنحو (60 مليار ريال) منها 16 مليار نفقات ترفيه، و15 مليار على التسوق، و11.8 مليار على السكن السياحي، و9.5 مليار ريال على الطعام والشراب.
أما الطريف في هذه الإحصائيات هو ما أشارت إليه تقديرات منشورة قبل سنوات قليلة أننا ننفق على (الكبسة) وحدها نحو أربع مليارات ريال سنويًا.. وبمناسبة اقتراب شهر الصوم قدّر خبير اقتصادي قبل ايام حجم إنفاق الأسر السعودية خلال الأيام الأخيرة من رمضان وأيام العيد بنحو 13 مليار ريال، على الديكورات والحلويات، وأقول بالعافية و(من حكم في ماله ماظلم) لكن هل بهذه الأرقام نطبق التوجيه الإلهي ((وكلوا واشربوا ولاتسرفوا إن الله لا يحب المسرفين)) والتوجيه النبوي الشريف «ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك» وأبسط نتيجة لهذا الاستهلاك مليارات قيمة عقود النظافة لمدننا ورفع القمامة التي تقدر بنحو 23 مليون طن، وخسائرها عشرات المليارات لعدم تدويرها حسب تقديرات بعض خبراء البيئة.
اعتقد جازمًا أن ثقافتنا الاستهلاكية تحتاج إلى تصحيح لتكون أكثر رشدًا وترشيدًا مثل شعوب كثيرة حسمت أمرها بثقافة الاعتدال الاستهلاكي، حيث تشتري وتكتسي وتأكل وتشرب وتستقبل ضيوفها بقدر حاجتها وتحرص على الادخار، ولو تحقق لنا ذلك لكان الحال أفضل، ولا تفزعنا الديون الاستهلاكية ولا أرقام الإصابة بالسمنة والسكر والضغط وتسوس الأسنان. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم.
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *