تسرق لتتعبّد..
وكأن التناقضات الفخمة ظاهرة حديثة وغير مألوفة في مجتمع الفضيلة، تقص لنا إحداهن وهي مصدومة كيف أن “مسلمة” تبعت خادمة القاصَّة بينما كانت مع العائلة في أحد الأماكن العامّة، وعندما سنحت الفرصة همست في أذن الخادمة بأن تترك كفيلها لتعمل عندها بضعف الرّاتب وهي تهمس وفي ذات الوقت تدفع بقصاصة صغيرة من الورق مجهَّزة برقم هاتفها ليد الخادمة للتواصل، لأن الخادمة قد ترتبك في حينها أو يتملّكها الخوف وتعرض عنها أو ترفض – خطَّة محكمة مع سبق الإصرار والتّرصُّد-. ردَّت عليها إحدى السّامعات وقد بدت غير متفاجأة: وانتي بعد من جدِّك تطلِّعي خدَّامتك من البيت قبل رمضان معروف هذا وقت الصِّيد..! ردّت الثالثة بنصف ابتسامة: ما عندك إلا تزيدي راتبها عشان ما تهج وتوهّقك. انتظرت الرّابعة دورها بهدوء وبرود أعصاب ثمّ علّقت بنبرة مستسلمة: زدتي الرّاتب ولاّ ما زدتيه ما تفرق حتى لو ما راحت عند هذيك، هم مسوين عصابات ولهم سماسرة يأتمرون بأمرهم وخطّتهم السّنويّة إنهم يتركون عملهم و يجتمعون عند السماسرة قبل رمضان ويخلقون أزمة عمالة منزليّة، والسّماسرة مجرّد يبدِّلون الخدم بين البيوت ويضمنون لهم رواتب مضاعفة ولأنفسهم عمولات تكفيهم لرمضان السنّة اللي بعدها..!
تخلّلت المحادثة دلالات مخيفة، وعلى عكس الظواهر الاجتماعيّة الطّبيعيّة التي غالباً ما تحمل طرفاً ظالماً وطرفاً مظلوماً، وجدت طرفي هذه الظاهرة تحديداً بنفس القدر من الظلم. الخادمات من جهة يتجاهلن عقودهن المبرمة مع الكفلاء والتزامهن المهني والأخلاقي مستغلّات وضع الإنفلات الرّاهن وغياب تدابير الملاحقة والمحاسبة. والصّائدات من جهة أخرى يصدن في ماء عكر ناسيات أو متناسيات أن ما يقمن به سرقة وحداً من حدود الله، يأتينه بتساهل ليتسنّى لهن التّفرُّغ للتّعبُّد أو ربّما لمتابعة المسلسلات الرّمضانيَّة. تناقضاتهن الفخمة تستحق وقفة، تتقلّص الوجبات من ثلاث وجبات في اليوم على مدار السّنة إلى وجبتين في اليوم في شهر رمضان ومع ذلك يزداد حجم العمل وكميّة الطّعام. يعتقدن بأنّهن يمارسن الإسلام الصّحيح وأنّهن أقرب من غيرهن للرب لدرجة أن يحاضرن في النّاس ويسدين النّصائح وفي نفس الوقت يأتين حداً من حدود الله ليتفرّغن لعبادته ويطمعن بالقبول..! وقس على ذلك تناقضات آخرين من المسلمين بلا إسلام تعج بهم البيوت والمكاتب والشّوارع سيان..
@tamadoralyami
[email protected]
التصنيف: