[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد بشير علي كردي[/COLOR][/ALIGN]

تخطط رشا لرحلة ثقافية تتتبع فيها مسيرة الأجداد من الفينيقيين الأوائل الذين خرجوا من جزيرة العرب واستوطنوا شواطئ البحر الأبيض المتوسط وجزره وأقاموا حضارة حققت الكثير من الرفعة والرقي لشعوب تلك المنطقة. فقد عرفت من مقالة سابقة أن تسمية مدينة كارتاخينا الأسبانية مشتقة من اسم مدينة قرطاجة التونسية، وأن مدينة قرطاجة هذه التي خلدها التاريخ بما كان لقادتها من مكانة وبأس قد أقامتها أميرة عربية فينيقية من صور اللبنانية، وأن لبنان هو جزء من بلاد الشام والرافدين، مثلها مثل سوريا والأردن وفلسطين والعراق، وبالتالي فهي ترغب في الترويج لهذا الرابط الحضاري وترتيب رحلة جماعية تنطلق من كارتاخينا إلى قرطاجة فصور مع توقف في عدد من المدن العربية وخاصة دمشق وحلب وبيروت. والدة رشا متحمسة للفكرة من حيث المبدأ والغاية، غير أنها قلقة ومتخوفة في ضوء ما يتردد في الفضائيات عن احتمال جولة جديدة من الحروب في المشرق العربي تنطلق شرارتها من خط الهدنة بين لبنان والأرض الفلسطينية المحتلة، خاصة أن مدينة صور التي انطلقت منها الأميرة الفينيقية باتجاه تونس والتي تنوي رشا زيارتها تقع على خط التماس مع فلسطين المحتلة، وهناك تعاني القيادة العسكرية الإسرائيلية من مرارة الهزيمة في آخر جولة قتال مع اللبنانيين قضت على ما كانوا يتشدقون به من أن إسرائيل قوة لا تقهر، وبالتالي النية متوفرة لدى الصهاينة لتوجيه ضربة أخرى بنية القضاء على المقاومة.
والد رشا لا يخفي قلقة من تدهور الأوضاع في المشرق العربي ويتمنى على أمراء الطوائف في لبنان أن يتناسوا خلافاتهم المذهبية والعقائدية ويضعوا سلامة بلدهم في المقدمة حتى لا يعطوا الإسرائيليين مبرراً لشن حرب قد تحرق الأخضر واليابس في لبنان وما حولها، وتزيد من معاناة العراقيين، وقد تجر بلداناً عربية أخرى للانهيار والدمار، وأن على القيادات السياسية في المشرق العربي المعروفة باتزانها وحسن صلاتها مع دول الجوار أن تساعد لبنان على تخطي أزمته الحالية التي جعلت من مقتل الشهيد رفيق الحريري قميص عثمان، وأن تبذل المساعي الحميدة للتوفيق بين وجهتي النظر حول المحكمة الدولية، فالحقيقة مهمة، وأهم منها سلامة لبنان، وأن لا ينشغل العالم عن القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لكامل التراب الفلسطيني وهضبة الجولان السورية بفوضى طائفية تمهد الطريق لعدوان إسرائيلي جديد على لبنان ودول الجوار.
الجار فرناندو، وهو يتابع الحوار بين رشا ووالديها حول جولتها الفينيقية وما تعترضها من عقبات بسبب الأوضاع السياسية المتدهورة في المشرق العربي يتوقع من قادة الإتحاد الأوروبي أن يعملوا على تخفيف معاناة عرب شرق البحر الأبيض المتوسط بوضع نهاية لها، قائلاً بأن عرب المشرق هم أصلنا، ومنهم وعن طريقهم وبفضلهم وصلت شعوبنا في الغرب إلى ما هي عليه اليوم، وأن على أسبانيا التي اعتلت سدة التفوق العلمي والأخلاقي والإنساني لقرون عديدة عندما كان الإسلام يحكمها أن تضاعف جهودها في سبيل التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم بين الفلسطينيين ومن احتل أرضهم وشردهم، وإذا كان حل الدولتين تعترضه عقبات من أهمها تمسك الإسرائيليين بالأرض فحل الدولة الواحدة قد يكون الأنسب إذا ما قامت الدولة الواحدة على أسس الديمقراطية والمواطنة، واستشهد بما تم في دولة جنوب أفريقيا، وتساءل عمن سيقوم بدور مانديلاً لتحقيق هذا الحل؟ هل هو واحد ممن يقفون خلف القضبان الحديدية وله شعبية وكلمة مسموعة ؟ أم واحد من بين أولئك الذين وعدهم بناة إسرائيل بالسمن والعسل حالما يحطون رحالهم في بلد الميعاد فإذا بهم يقاسون المر وويلات الحروب والانتفاضات والكراهية جيلاً بعد جيل منذ أن قدم أجدادهم إلى فلسطين قبل عام 1948 وحتى الآن وإلى أن يتحكم العقل والمنطق لدى من بيدهم الحل والعقد، وتوقف النقاش مع إعلان وكالات الأنباء عن تمسك إسرائيل بالاستيطان غير مبالية بالإنسان الذي قدر له أن يولد فوق أرض فلسطين، فأرجأت رشا مشروعها حتى إشعار آخر.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *