الميل العاطفي وظاهرة القطيع

• عبدالرحمن آل فرحان

أتدرون ما الذي يضيع الأفكار ويقيد الإبداع ويعطل الاستفادة من فرص تجويد الحياة في عالمنا العربي بعمومه ؟ إنه الميل العاطفي باتجاه الأشخاص بغض النظر عن أفكارهم.. فالذي تحبه تحب فكرته وتبجلها..والذي تكرهه تكره معه كل أفكاره ، هذا التعاطي الساذج مع جملة ما يطرح على الساحة من رؤى وأفكار هي في الحقيقة وبكل أسى من تصنع القطعان الجماهيرية دائماً..قطعان توافق بغض النظر عن مدلولات الفكرة وقطعان بالمقابل تعارض ، وما بين الشد والجذب فيما بين تلكم القطعان تعلق الفكرة وتصبح مجرد أيقونة حرجة كلما نقرت أو أعاد أحد لمسها صعقته بصاعق التصنيف والويل والثبور وانضم من حينها لزمرة المغضوب عليهم في أعين القطعان المعارضة أو في زمرة الضالين في أعين القطعان الموافقة ، حتى بات طبيعياً أن تجد شخصاً ما – أول الشهر – وقد أسقطوا عليه أقذع الصفات من قبل طرف جمعي معين وأزهى عبارات الثناء والإطراء من قبل الطرف المقابل ، ثم لا يلبث – آخر الشهر – حينما يتبنى فكرة أخرى في شأن آخر إلا وقد انقلب فصيل المادحين عليه بالشتم ، وفصيل الشاتمين له بالإطراء وهكذا ، والمحصلة بالطبع هو موت الأفكار وضياع فرص التعديل والمعالجة والتغيير في شتى مناح الحياة .
سئل غازي القصيبي مرة هذا السؤال : معذرة معالي الأديب..لقد ثارت حولك معركة كبيرة وغبار كثير حول منهجك .. أقصد بذلك معتقدك .. فقد شكك فيك بعض المجتهدين فما ردك ؟ فقال : الغلو في الحب يؤدي إلي شطط في الإطراء ، والغلو في الكره يعود إلي شطط في الانتقاص ، والغلو بكل أنواعه مذموم ، والشطط بكل أصنافه مرفوض ” المجلة العربية عدد 288 ” .
إنه لمؤسف حقاً أننا بعد زهاء الخمسة عشر عاماً من هذه المقولة للقصيبي رحمه الله لم يزل الوضع على حاله ، وكأننا مجتمعات لا تؤمن بفضيلة قوله تعالى (أفلا تعقلون) التي تكررت ثلاثة عشر مرة في كتابه الكريم ، بصفتها الأداة المعيارية المثلى لقياس منظومة المبررات والحاجات المجتمعية والاقتصادية والسياسية وفق ما تقتضيه الغايات والمصالح العامة عند طرح أية فكرة أياً كانت تلك الفكرة وأياً كان كنه صاحبها ، ولكم أن تتخيلوا فيما لو كنا جميعاً نسير وفق هذا المعيار الذهني والموضوعي ، أتتصورون حينها بأن فينا من سيرتهن لرأي جمعي ساذج؟ إن قالوا نعم قال مثلهم بدون وعي..وإن قالوا لا قال مثلهم من دون إدراك أيضاً ؟ لا أظن ، لأنه حينها لن يلتفت لأحد سوى للفكرة وغاياتها فقط ، فأين تكمن قناعته المبنية على استقرائه هو يكمن رأيه إما قبولاً أو رفضاً ، ومن هنا يمكن القول بأن الأفكار الجيدة لن تضيع في زحمة القطعان ، ستنمو وتتطور وتتفرع كشجرة ورافة تمنح الجميع الظل ( الفائدة ) وتقي الجميع من لهيب الحر (الضرر) ، هكذا فقط تتقدم الأمم وتنهض..وليس بالقطيع والحشد المضاد.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *