المقالات .. والجدران المهلهلة

• بخيت طالع الزهراني

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]بخيت طالع الزهراني[/COLOR][/ALIGN]

بعض المبتدئين في كتابة المقالات يتقعر تقعراً, ويظن أنه بذلك التقعر سوف يلفت الانتباه, أو يستحوذ على الاهتمام, أو يكون علماً في رأسه نار بين عشية وضحاها, واللافت أنه من فرط تقعره, يورد كلمات فخمة ربما لا يعرف معناها , ولذلك تراه يضعها في غير سياقها الصحيح, فتبدو المقالة مثل حائط مشوه الشكل – طوبة بارزة وأخرى غائرة.
والواقع أن كتابة المقال الجميل والمبهر, تحتاج إلى خبرة تراكمية من الكاتب, ولذلك لا يمكن لإنسان أن يكتب بشكل جيد من أول مرة, ولا حتى من عاشر مرة, تماماً مثل الشاعر والقاص والروائي, فكل هذه المسائل إبداعية تحتاج إلى من يملك أدواتها, ويسبر غورها, ويحفر بأظافره في صخرها.
هناك أناس يتحدثون بشكل جيد, وفي حديثهم طلاوة معينة, وترتيب أفكار لا بأس به, لكن الواحد من هؤلاء لو كتب فلن تجد له نفس الألق, بل ربما تصاب بالدهشة وأنت تقرأ له, حتى إنك لا تكاد أن تصدق أن هذا هو صاحبنا فعلاً, الذي كان للتو يملأ المجالس ضجيجاً.
الكتابة بالأصل موهبة, وتحتاج إلى تطوير وخبرة وقراءة, وكل من يحاول القفز على هذه المعطيات, فلن يكون في الغالب كاتباً أبداً, صحيح أنه سيكتب وسوف يتوهم أنه كاتب, لكنه في الحقيقة, ليس ذلك المبهر, ولا الجميل, ولا المؤثر.
ثمة كتاب عندما تقرأ لهم, تشعر وكأنك تلتهم وجبة شهية للغاية, وعندها لا يمكن أن ترفع بصرك عن حروفه حتى تنتهي من التهام كل كلماته, وثمة آخرون تنصرف عن قراءة مقالاتهم من السطر الثالث ربما, رغم أن بعضهم قد يكون رئيس تحرير صحيفة, ولديه كم معرفي كبير, لكنه لم يمتلك أدوات الكتابة الرشيقة, أو ما يعرف بأسلوب (السهل الممتنع), ولذلك تراه كطباخ غير ماهر, اختلطت عليه المقادير الصحيحة لإنتاج وجبة طعام لذيذة.
وأخيرا فإن ثمة علاقة وثيقة, وصورة تماثلية, بين الكاتب كمُصدّرٍ ومُنتج, وبين الكتابة كمخرجات منظورة, ولذلك فإن الكاتب الموسوعي والمتمرس وعميق الفكر تكون كتابته كذلك .. وأيضاً فإنني أعتقد أنه كلما كان الكاتب رشيقاً, أنيقاً, وخفيف دم, تأتي كتاباته.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *