اللاسلكي القديم ولغة الحب والعصافير
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد العزيز أحمد حلا[/COLOR][/ALIGN]
لااشجع الماضي كغيري فى أن يبقى شبحا مخيفا على أرقاب الشباب الطامح أو مرجعا مأساويا يبين عجز امتنا أو ذكرى تبكى عليه الأطلال بقدر أن يكون قاعدة علمية أو محفل تجارب تنطلق من أحضانه الأفكار التى تطور الذات تماما أو اشد مما عملته الأمم المتقدمة الآن إن القلب يحزن والشعور ينهار عندما يقف المرء أمام نفسه وهو عاجز لايدرى ماذا يصنع حتى جعله هذا العجز يقوم بحياكة التهم على غيره ليتخلص بأية حال من الأحوال وينتقل من أوهام إلى أوهام ولقد حان الآن قطاف الثورة المعلوماتية من الاصفار خاصة إذا علمنا أن الخواجات السارق أجدادهم لكنوز العرب والمسلمين يحنون عليهم ويلومون أجيالهم على هذا الاجترار الذى أصبح يطور نفسه دون ملامح جديدة وهذا كله يعطيني الحق بأن ألوم أهل الفكر والرأي والمسؤولية فى مجتمعاتنا واحملهم النتائج السلبية التى لازالت تخيم على أممنا جيلا بعد آخر وأدعو مناظير التصحيح بأن ترفع أقلامها ومعداتها وتعمل بقوة شبابية آخذة من الماضي العبر والتجارب لأننا امة من أحسن الأمم وهذا ليس وصفى بل هي صفات أثبتها القرآن الكريم فى عدة مواقع وحث على الالتزام بها .
وكعربي سعودي أعيش فى دولة حباها الله بولاة أمر من خيرة الرجال علما وثقافة وخلقا منذ انطلاقتها الأولى على ايدى بانيها الملك عبدا لعزيز طيب الله ثراه والدلائل كثيرة على هذا الشموخ الذى رعاه من بعده أبناؤه الميامين حتى انه يرحمه الله استغل جميع وسائل التقدم والحضارة التى كانت موجودة آنذاك وجلبها وجلب خبراءها لينعم بمنافعها شعبه الكريم ومن تلك الوسائل الحضارية العصرية جهاز البرق القديم \” المورس \” الذى ابتكره العالم الامريكى ماركونى وسمى نفسه بمورس ليشتهر بشهرتها . هذه المعلومة الشهيرة والمفيدة وغيرها من المعلومات التى تدور حول هذه الآلة استقيتها من مضيفنا الشيخ زكى أحمد على حميد الذى استضافنا فى داره العامرة ليطلعنا على أدق تفاصيلها ويعلمنا أيضا مدى تعلقه وعشقه الابدى لآلة خدمت الملايين من البشر ونقلت إليهم أفراحهم وأتراحهم وكان فيهم الفقير والغنى والعالم والجاهل والعجيب فى هذا انه تعلم منها أنبل العواطف سنفصح عنها فيما بعد وعندما تنظر بعينك المجردة لهذه الآلة الخرافية وتستعيد ذكريات منافعها ترى أولا أن حجمها لايتعدى حجم حقيبة الفون وأن شوكتها البدائية التى تعطى الأمر لإصدار النغمة للمكبر تتسع مساحتها الدائرية قليلا عن رأس الإصبع .
وميزة الاستعمال التى تتمتع بها هذه الآلة أنها لاتقبل الطرق العشوائي حتى لاتختلف النغمة على المستقبل وتفضل الأصبع الضارب عليها أن يكون من المهرة وواصل محدثنا الكثير من الأحاديث حول هذه الآلة أخذنا منها أمرين هامين الأول أن المخترع قلد فيها صوت العصافير حيث ربط النقطة بالحروف الأبجدية المتحركة وربط الشرطة بالحروف الأبجدية الساكنة وزيادة فى توثيقها كتب مورس الحروف الآتية بطريقته الجديدة وهو على ظهر زورقه فى البحر الأبيض المتوسط مثل الألف نقطة وخط والباء خط وثلاث نقاط والجيم نقطة وثلاث خطوط والدال خط ونقطتين وهكذا وطبق الشيخ زكى هذه الفلسفة على العصافير فى إحدى رحلاته وتابع عصفورين احدها يرسل رسالة للآخر كنغمة المرسلة البرقية والعصفور الآخر يجيبه بنعم حتى التقي العصفوران على غصن الشجرة ومن هنا جاء اختلاف النغمات البرقية من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة واشتهر فى هذا الفن أناس للأسف نسيهم الناس لينساهم التاريخ اذكر البعض منهم وهم الذين جاءت أسمائهم على لسان الشيخ زكى . . هم : عبدا لعزيز بديوى : وحسين مرسى من مكة ومحمد إبراهيم المغربي من المدينة وحمد اسكندرانى من أبها وضيا عبدا لعال النجار من الرياض وعمر حجازي من المدينة وغيرهم وكل أولئك كانوا يتخرجون من مدرسة اللاسلكي الذى كان مقرها فى مكة المكرمة وكانت تعطى راتبا تشجيعيا لأبنائها الدارسين مبلغ ١٩٥ريال يوم كان الريال لاكما هو الآن .
واللافت فى هذه القضية من أولها إلى آخرها أن هذا العالم المخترع لهذه الآلة التى طبقت شهرتها الآفاق وقت احتكارها لأزمانها وأزمان من بعدها كانت أول رسائله التجريبية إلى صديقه فى الجانب الآخر وهو امريكى مثله قال له فيها \” هذا من فضل ربى \” وهذا مصداقا لقوله تعالى \” إنما يخشى الله من عباده العلماء \” انه امريكى كافر جاحد لكن هدى العلم له أشعره أن هناك يدا اكبر من يده وعلما لن يبلغ منه إلا القليل القليل فأعاد الفضل لصاحبه من حيث لايدرى ولا يعلم وقبل الختام نعود للجانب الآخر فى آلة المخابرات القديمة هذه لندرك أن لغتها لم تقتصر على العصافير فقط بل دخل الحب بقضه وقضيضه ليقارع العصافير حتى نشبت المطالبة بالاقدمية وعندما رأينا العواطف المتأججة من الشيخ
زكى حميد وهو يرثى حبيبته وزوجته وأم أبنائه التى عاشت معه عشرات السنون كان بودنا نشر البعض منها إلا أننا محصورون هنا بالزمان والمكان فكانت تلك الأشعار بحق لوحة شعرية أبدعها صاحبها من قلب الحدث وأثبتت لنا أن اللاسلكي القديم بحق أضاف إلى لغاته المفيدة لغتي الحب والعصافير .
[ALIGN=LEFT]المدينة المنورة : ص .ب : ٢٩٤٩
Madenah- monawara . com[/ALIGN]
التصنيف: