تختلف الكتابة من موضوع إلى آخر.. ومن كاتب إلى آخر.. ومن مجال إلى مجال آخر .. فكما يختلف البشر في أشكالهم.. وأنماط شخصياتهم.. وسلوكياتهم .. وحضاراتهم المتنوعة.. وثقافاتهم المتعددة .. كذلك تختلف الكتابة من شكل إلى شكل آخر .. ومما إذا كانت تلك الكتابة مجرد محاولة لكسب النقود فقط من أجل لقمة العيش .. أم أنها هاجس طارئ لا يأتي وفق الوقت ووفق ساعات وظيفية معينة..
والحقيقة أن الكتابة الإبداعية ليست وصفة سرية لوجبة لذيذة مشبعة .. وليست معادلة كيميائية يمكننا أن نعدل في عناصرها لتتناسب مع النتائج الخارجة منها .. وليست مسألة حسابية .. يمكننا أن نقوم بحلها بالعديد من الطرق الجبرية والهندسية.. وغيرها..
إنها حالة ذهنية خاصة .. يتوقد فيها الذهن لفترة معينة من الزمن.. ربما تستمر لحظات.. أو ساعات.. أو ربما أياماً متتالية.. لحظات من التوهج الغريب الذي يطغى على ذهن المبدع وقلبه ومشاعره.. تتغير أثناءها علاقاته مع الموجودات حوله .. ويظل هو يعيش متألقاً بحالته الذهنية المشتعلة.. حتى يصب كل ما لديه على الورق .. أو على آلته الطابعة .. دون أن يحاول عد الحروف والكلمات.. دون أن يحاول وزن الجمل والمفردات.. وكأنه ليس هو الذي يكتب.. أو ليس هو الذي يضع تلك الجمل والسطور .. كأن هناك شخصاً آخر يكتب عنه.. شخص يخرج من داخله فقط في لحظات التوقد تلك .. ليضع بصماته المضيئة فوق كل شيء حوله..
تلك اللحظات القادمة من المجهول.. وذلك الإلهام الذي يحيا بداخل كل مبدع.. هو شيء خارج عن المألوف.. وخارج عن نطاق الزمان والمكان.. فليس للمبدع قدرة على استحضاره وقتما يريد.. وفي أي مكان يريد.. لأنه لا يسير وفق رغباتنا وأهوائنا.. بل هو حر طليق.. يأتي وقتما يشاء .. ويرحل وقتما يريد..
إذاً هل هو ذلك القادم من الوادي القديم.. وادي عبقر..؟؟ يحتل مخيلتنا وأذهاننا ليضيف إليها ما يريد من عبارات وجمل وأفكار ..؟؟
في بعض الأحيان أكاد أصدق أنه مخلوق آخر يسكن ذهن المبدع.. لأنه يأتي دون موعد مسبق .. ودون إذن بالقدوم .. يحمل مرات الكثير من الأمور الغريبة والتي لا يمكن أن تخطر ببال .. ليسطرها فوق الورق.. ثم يختفي.. لفترة غير معروفة.. لا يمكن استدعاؤه.. فأجهزة نداءاته غير معترف بها في المؤسسات الرسمية.. وبوابات خروجه ودخوله.. لا يمكن رصدها بأقمارنا الصناعية الهائلة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *