القوانين الملاذ الأخير للقيم
قبل سنوات … لم يكن هناك من يتحدث عن المذاهب والطوائف بشكل علني ، كانت محدودة جداً وفي نطاقات ضيقة وبعيدة عن وسائل الإعلام ، الأمر الذي انعكس على حياة الناس وعلاقاتهم ونفسياتهم ، تسافر فلا تهتم بديانة من يجلس بجوارك ، تبيع أو تشتري فلا تكترث لمذهب من تتعامل معه ، لاعب الكرة نصفق له بحرارة ونهتف له حينما يصيب مرمى الخصم دونما أن يخالجنا قشة من خاطر أن نتساءل عن مذهبه ، والممثل الكوميدي نتفاعل معه ونضحك بملء صدورنا ولا غير هذا الانفعال يخامر أذهاننا . كنا نتغنى بأناشيد الوحدة العربية والمصير المشترك لأننا لا نرى في مجتمعاتنا سوى تلك العوامل التي تجمعنا ( القبلة الواحدة والهوية الواحدة واللغة الواحدة ) وغير ذلك لم يكن يخطر لنا على بال ، أما اليوم فلا تكاد تقرأ صحيفة إلا وأحاديث التمذهب قد أتت على معظم أخبارها ومقالاتها ، ولا تكاد ترى قناة تلفزيونية إلا وهناك من يتحدث..منها من تحرض بشكل واضح ومنها من تحرض بشكل مبطن ومنها من تشجب كل أشكال التحريض ، والمحصلة أن الجميع أصبح يتحدث عن التمذهب ، بما في ذلك هذا المقال الذي كتبته لأنتقد المتعمدين لإثارة مثل هكذا مواضيع وأدعو من خلاله كل من يقرأه أن يتوقف الآن ليس عن التحريض وحسب ..أو عن انتقاد التمذهب ودعاته والمحرضين عليه وحسب .. بل وحتى عن مجرد التحدث عنه ، ونسيت أني بهذا أنضممت للموجة من حيث لم اعلم ، لقد اكتشفت أننا جميعاً متمذهبون ، من يحرض مثل من يعارض .. والإثنان ليسا أقل سلبية من الساكت الذي يظن أنه في منأى عن التورط في مثل هذه الأحاديث !! لكنه لا يعلم أنه بسكوته أعطى ومضة قبول بالتمذهب في أعين الرافضين لأنه سكت ولم يظهر تأييده لهم بالرفض .. وأعطى في المقابل إشارة رفض للتمذهب في أعين المحرضين الذين ما من شك سيقرأون سكوته على أنه امتعاض ونفور منهم ، إننا حقاً في دوامة سياسية وفكرية واجتماعية اسمها التمذهب ، ولا أظن أن أحداً بإمكانه إيقافها.. بل ولا حتى بإمكانه توقع مفرزاتها على أوطاننا ومدننا وأمن ورفاه أجيالنا ، لكن كل ما في الإمكان الآن بعد أن غدت هذه الثقافة الهاجس المهيمن على حياتنا وأحلامنا ، والمهدد الأكبر لسلامنا وانسجامنا ، هو وضع أكبر قدر من العراقيل أمام هذه العربة المنفلتة ، إن لم تستطع هذه العراقيل وقف هرولة العربة تماماً فعلى الأقل ستتمكن من الحد من سرعتها وتهورها ، وليس هناك أقوى من عراقيل القوانين الواضحة والمحددة ، فالقوانين هي الملاذ الأخير لكل القيم النبيلة ، فالعدل وحده ليس بإمكانه إيقاف شرور المجرمين ، والتسامح وحده ليس بإمكانه تحقيق التلاحم والانسجام المجتمعي ، فكما هو مطلوب زراعة قيم العدل والوطنية والأمن والسلام والتعايش في قلوب الناس فكذلك مطلوب منا عدم ترك تلك القيم وحيدة بلا حماية قانونية.
@ad_alshihri
[email protected]
التصنيف: